الرياضات الروحيّة الإغناطيّة اليسوعيّة

ما هي الرياضات الروحيّة الإغناطيّة اليسوعيّة؟

نحن نعلم أنّنا نحتاج إلى التمارين الرياضيّة لكي نُحافظ على صحتنا البدنيّة. وقد أدرك القدّيس إغناطيوس دي لويولا مؤسس “الرهبانيّة اليسوعيّة” احتياجنا إلى التمارين لكي نصون حياتنا الروحيّة أيضًا. فدوّن بين عامي 1522م- 1524م دليلاً للخلوات الروحيّة، وأطلق عليه اسم “الرياضات الروحيّة”.

تبدأ الرياضات الروحيّة بنص “المبدأ والأساس” الّذي يوجّه هدف حياتنا لأن نكون في حياة شراكة مع الله للأبد. نحيا في حياة امتنانٍ عميق للنعم التي نلناها من الله، ونعيش وفق محاكمةٍ داخليّةٍ، لئلا نساوم في استبدال أيّ عطيّة إلهيّة مع أيّ شيء في هذه الدنيا. صُممت الرياضات الروحيّة لكي تساعدنا على الوصول، والحفاظ على هذا “الميزان الداخليّ”.

صُممت الرياضة الإغناطيّة بالأصل لتمتدّ لفترة ثلاثين يومًا، مقسّمة على أربعة أسابيع “مراحل” يركّز كلّ واحدٍ منها على هدفٍ معيّنٍ، على الشكل التالي:

الأسبوع الأوّل “إصلاح ما قد تشوّه”: يركّز الأسبوع الأوّل على إدراك حبّ الله غير المشروط، والتصارح مع إخفاقاتنا، وإخفاقات البشريّة جمعاء، والاستجابة بسخاءٍ وكرمٍ لهذا الحب الإلهيّ.

الأسبوع الثاني “العمل وفق ما أُصلح”: يركّز الأسبوع الثاني على التأمّل في شخص المسيح، وحياته. وبذلك، قد نختار بحرّيّة أن نشغف به، ونتبعه بإخلاصٍ وقربٍ أكثر.

الأسبوع الثالث “مصادقة ما قد وُعد به”: يركّز الأسبوع الثالث على آلام المسيح، وقيامته. وبذلك، نشاركه معاناته بقرب، ونعمّق التزامنا معه.

الأسبوع الرابع “تحوّل ما وُعد به”: يركّز الأسبوع الرابع على النموّ في رغبتنا باتّباع المسيح، لنكتشف فرح قيامته، ونقبل هذا الفرح لنؤسّس عليه دعوتنا في المشاركة برسالة المسيح.

تتألف الرياضة الروحيّة من سلسلة من التأمّلات في نصوص من الكتاب المقدّس، بالإضافة إلى الصلوات، والمشاهدات “اعتبارات” (تمارين تقوم على استخدام مخيّلة العقل)، والتمارين التأمّليّة، مُصمّمة كلّها لتسمح للمسيحيّ أن يتعلّم كيفيّة إدراك النعم الإلهيّة الفاعلة في حياته اليوميّة.

وبما أنّ فترة الثلاثين يوم هذه ليست في مجال استطاعة غالبيّتنا، تقدّم بيوت الرياضات في هذه الأيام رياضات روحيّة أقصر ممّا قد صُمّمت عليه حينها (ثلاثة أيام، خمسة أيام، ثمانية أيام). وهي تتّبع النموذج عينه “الأربعة أسابيع”. وبذلك، نستطيع الاستفادة من عمق الرياضات الروحيّة، من خلال ممارسة ما يُطلق عليه القدّيس إغناطيوس دي لويولا “مراجعة النهار”، وهي مراجعة تأمليّة لأحداث حياتنا الاعتياديّة، لكي نكتشف النعمة الإلهيّة الحاضرة من خلال نشاطاتنا الاعتياديّة في كلّ يومٍ، وكيف تجاوبنا مع هذه النعم.

ما هي الخلوات الروحيّة؟

هل شعرت في داخلك أنّ أعباء الدنيا تثقل كاهلك، وأنّ زوّادتك الروحيّة قد شارفت على الانتهاء؟ ليس من غير المعتاد أن نشعر بجفافٍ على المستوى الروحيّ. وإحدى الطرائق التي تمكّنك من التعامل مع الجفاف الروحيّ، أو حتى الوقاية منه، هي الخلوات الروحيّة.

ماذا نعني بكلمة خلوة؟ نعني أن تنسحب إلى مكان هادئ، وآمن، إلى مكانٍ بعيد عن كلّ ما من شأنه أن يتعبك، ويهدّد نشاطك الجسمانيّ وحيويتك. نحتاج في حياتنا اليوميّة أحيانًا إلى أن نقوم بخلوةٍ من نوعٍ آخر، أن ننسحب من المخاطر التي تهدد حياتنا الروحيّة، وتُحبط عزيمتنا. بمعنىً آخر، أن نعتزل لفترةٍ وجيزةٍ في مكانٍ آمنٍ، لكي نلملم ذواتنا، ونهيّئها لمواجهة مصاعب الحياة من جديد.

ليست الخلوات الروحيّة شيئاً جديداً. البوذيّة والهندوسيّة تمتلكان منذ آلاف السنين خبرة واسعة في مجال الخلوات الروحيّة. أمّا الخلوة المسيحيّة، فقد وُجدت تيمّنًا بالمسيح واقتداءً به، فهو أيضًا اختلى في البرّيّة أربعين يومًا وأربعين ليلةً، قبل أن يعيش حياته العلنيّة. يمكن للخلوة الروحيّة في المسيحيّة أن تأخذ أشكالاً عدّةً: قد تكون نسكيّة متوحّدة، أو جماعيّة. قد تكون صامتة، أو يتخلّلها محادثات، ومشاركات. قد تكون بيوت الرياضات في الريف، أو في المدن ( مع أنّه يُفضّل أن يكون بيت الرياضات بعيدًا عن الصخب والضجيج، وأن يتمتع باتّصال مع امتدادٍ طبيعيٍّ ما).

بشكلٍ عام، تتضمّن الخلوات الروحيّة “الرياضات الروحيّة” مقدّمة روحيّة يقوم بها مترئّس الخلوة، فيقدّم: الإرشاد الروحيّ، والنصح، وقيادة فترات الصلاة، والتأمّل الصامت، والفرصة للقائه بشكلٍ شخصيٍّ، وكذلك تتضمن الرياضات الصلوات الاعتياديّة. قد تمتد الخلوات طيلة عطلة نهاية الأسبوع، أو ليوم وليلة، أو عدّة أيام قد تطول أو تقصر، وحتى قد تمتدّ لشهرٍ كاملٍ.