تساعية الميلاد ٢٠٢٠
الاب داني يونس اليسوعي
للاستفادة من هذه الرياضة الروحيّة:
١. قراءة الحديث الروحيّ الخاصّ بكلّ يوم من أيّام الرياضة، أو الاستماع إليه
٢. التأمّل مع نصّ الكتاب المقدّس المقترح (طريقة التأمّل مع نصوص الكتاب المقدّس)
٣. القيام بمراجعة النهار يوميًّا (طريقة مراجعة النهار)
طريقة التأمّل مع نصوص الكتاب المقدّس
١. أحدّد مُسبقًا متى وأين سأقوم بالتأمّل ومدّة التأمّل. لا أدع التأمّل للظروف أو للمزاج. لا داعي للإطالة. بين ٢٠ دقيقة و٦٠ دقيقة محدّدة سلفًا.
٢. حين يقترب موعد التأمّل أترك كلّ شيء وأذهب إلى المكان الّذي حدّدته وأنا أفكّر باللقاء الّذي سيتمّ بيني وبين الله. لا أدع حالتي النفسيّة تغيّر مقصدي، ولكنّي أتنبّه لها وأستقبلها كما هي.
٣. أبدأ الصلاة بأن أتنبّه لحضور الله، فأقف باحترام متخيّلاً كيف أنّ الله ينظر إلى مكان اللقاء، وأتذكّر أنه يرغب في لقائي أكثر منّي. ويريد أن أعرفه أكثر ممّا أنا أريد. أسأله أن يساعدني على الحضور أمامه بأفكاري ومشاعري وجسدي وقلبي.
٤. ثمّ أتذكّر النصّ الّذي سأتأمّله (أو أقرأه مرّة بانتباه ليحضر في ذاكرتي بتفاصيله). أتخيّل أنّي أقوم برحلة حجّ إلى المكان الّذي يتمّ فيه الحدث، لكي أنال بركة من ذلك المكان.
٥. أطلب نعمة اليوم (في كلّ يوم من التساعيّة سأقترح النعمة الّتي نطلبها)
٦. أعيد قراءة النصّ متمهّلاً، متوقّفًا حيث أجد المزيد من التذوّق أو من الشعور. أتخيّل الأشخاص وأفعالهم وأقوالهم. أفكّر في ما يحصل. أحرّك مشاعري لأتفاعل مع الأحداث. ليس من الضروريّ أن أنهي النصّ، بل آخذ وقتي حيث أجد ما يستوقفني. (سأعطي مقترحات للتأمّل ولكن ليس ضروريًّا لاتقيّد بها)
٧. حين يقترب وقت التأمّل من النهاية أترك النصّ وأحاور الله من القلب إلى القلب، كما يكلّم الصديق صديقه، فأخبره عمّا يشغل بالي وأسأله عمّا يدور في خاطري. وأصمت أحيانًا كمن يُصغي.
٨. حين ينتهي وقت التأمّل الّذي حدّدته، لا قبل، أقف مجدّدًا في مكاني وأصلّي الأبانا (أو صلاة أخرى كما سأقترح لاحقًا)
٩. أدوّن في دفتر صغير كيف مرّت خبرة التأمّل.
طريقة مراجعة النهار أو صلاة العهد
في نهاية اليوم، قبل النوم، أراجع نهاري لكي أزداد وعيًا بعمل الله في حياتي وباستجابتي له.
أبدأ بالدخول في حضور الله: أتذكّر أمام من أنا حاضر وأطلب إليه أن يساعدني لأكون حاضرًا لحضوره.
ثمّ أعيد إلى ذاكرتي علامات الحبّ الّتي أظهرها الله لي، إذ خلقني وافتداني وسار بي إلى هذه اللحظة الحاضرة. أتذكّر بركاته في حياتي: الأشخاص الّذين يضعون فيّ الفرح والسلام، الأحداث الّتي تحفّز رجائي، الاختبار الروحيّ الّذي يدفعني إلى الصلاة. أتذكّر خصوصًا بركات اليوم الحاضر: كلّ ما كان له قيمة في هذا اليوم وجعله أكثر جمالاً.
أتذكّر أيضًا اللحظات المؤلمة في هذا اليوم. كلّ ما شكّل لي تحدّيًا أو سبّب حزنًا. أضعها أمام الله لتشفى.
أخيرًا أفكّر في المواقف الّتي اتّخذتها من الأشخاص ومن الأحداث ومن المشاعر الّتي مرّت في هذا اليوم. بعضها يبدو لي مؤاتيًا للحبّ الإلهيّ، وبعضها يحتاج إلى نضوج أو إلى شفاء أو إلى قبول. أذكرها كلّها بقدر ما أتذكّرها.
ثمّ أحاور الله طالبًا الثبات في ما هو صالح، والغفران لكلّ ما يحتاج تجديدًا في ذاتي. وأكلّمه عن الغد: ما الّذي سأقوم به، وكيف. أطلب معونته ونوره.
أختم بالأبانا
اليوم الأوّل: الحمار والثور
اليوم الأوّل: الحمار والثور
في أحد الأيّام طرح يسوع على تلاميذه سؤالاً: “ابن الانسان حين يأتي أيجد على الارض ايماناً؟” (لوقا ١٨: ٨).
ليس السؤال سهلاً ولا إجابته بديهيّة. لا ينتظر يسوع من تلاميذه أن يقولوا “نعم” أو “أنت أدرى”. هذا النوع من الأسئلة لا يطلب جوابًا جاهزًا. هناك اسئلة يسألها يسوع لا لكي يعرف جوابها ولكن لكي نصير نحن الجواب. عندما يوجّه المسيح هذا السؤال: أيجد ايماناً على الارض؟ إنّما هو يوجّهه لي شخصياً، انا السامع: أيّ موقف أنا مستعدّ أن أتّخذ عند مجيئه ؟ أنا الذي أقرّر ما الّذي سأفعله بحياتي: هل حياتي تُجيب او لا تُجيب على مجيء ابن الانسان.
سؤال يسوع هو قلب عيد الميلاد. نتساءل أحيانًا: كيف نُعيّد وقلوبنا حزينة؟ كيف نعيّد في زمن الوباء؟ كيف نعيّد ونحن في قلب المأساة؟ وننسى أنّ الميلاد الأوّل كان مأساة! مأساة عائلة لاجئة لا تجد لها مكانًا، مأساة طفل غير مرغوب فيه، موضوع في مذود، مأساة شعب يحكمه ملك مستعدّ أن يقتل أطفال شعبه خوفًا على مُلكه. الميلاد الأول هو مأساة. لهذا السبب عندما يخبرنا الانجيل قصة الميلاد يطرح علينا السؤال: عندما يأتي ابن الانسان هل نستطيع أن نستقبله ام ستكون إعادة لهذه المأساة؟ “ابن الانسان حين يأتي أيجد على الارض ايماناً؟”
من يستطيع أن يعرف المسيح حين يأتي؟ من الذي سيعرف أن يستقبله؟
حين أجلس أمام المغارة، أرى الوجوه الّتي رآها الطفل المولود، وجوه أولئك الّذين جمعهم انتظارهم فاستقبلوا المولود الجديد. منهم أحاول أن أتعلّم كيف أنتظر، وكيف أستقبل.
أرى الثور والحمار. لماذا يا ترى نضع ثورًا وحمارًا في المغارة؟ ربّما لنؤكّد أنّ المكان الّذي وُلد فيه المسيح كان مربضًا للحيوانات. ولكن درج الجميع على وضع ثور وحمار وكأنّهما شخصيّتان تنتميان إلى القصّة. لا يذكر الإنجيل أيًّا منهما في رواية الميلاد، غير أنّهما مذكورين في موضع آخر، في بداية نبوءة أشعيا: “عَرَفَ الثورُ مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه لكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ.” (أشعيا ١: ٣). نضع الثور والحمار بين أشخاص المغارة لكي نتذكّر أنّنا معرّضون أن نغفل عن إلهنا، ألاّ ننتبه إلى حضوره.
لماذا غفلت بيت لحم عن سيّدها؟ لمَ لمْ يكن للطفل مكانٌ في المدينة؟ انشغلت بيت لحم بخدمة زبائنها، ولم تعرف زمن افتقادها. “جاء إلى بيته، فما قبله أهل بيته” (يوحنّا ١: ١١). الغفلة مأساتنا. ربّما كان هيرودس عنيفًا، ولكنّ عنفه ما كان ليقضي على أطفال بيت لحم لو لم يكن الملك، وما كان ليكون الملك لولا غفلة الناس عن عنفه. وأسوأ ما في الغفلة أنّها تظنّ نفسها بريئة. كم منّا مطمئنّ لنفسه أنّه لا يضمر الشرّ لأحد ولا يرتكب العنف إلاّ إن استُفزّ… أمّا الغفلة فنعذرها. فتصير هي مأساتنا.
يجوز أنّ بيت لحم لم تعرف ربّها لأنّه لم يأتِ كما تصوّرته. لم يخضع لمعاييرها، لتصوّراتها، لأفكارها. “أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمكِنُ أَن يَخرُجَ شَيٌ صالِح؟” (يوحنّا ١: ٤٦). “إِبْحَثْ تَرَ أَنَّه لا يَقومُ مِنَ الجَليلِ نَبِيّ” (يوحنّا ٧: ٥٢). طوال حياته سيبقى يسوع غير مفهوم. حين دخل مدينته الناصرة بعد أن تعمّد على يد يوحنّا، لم يقبله أهل بيته، لأنّهم قالوا: “أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان ؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا ؟”، وكان لهم حجر عثرة (مرقس ٦: ٣). هكذا نظنّ أنّنا نعرف الناس، فنغفل عن حقيقتهم، ونغفل عن ربّنا. لكي لا تتكرّر مأساة الميلاد الأوّل، لن أحكم على أيّ إنسان، ولا على نفسي، بأنّه معروف سلفًا.
“عَرَفَ الثورُ مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه لكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ.” (أشعيا ١: ٣). هكذا تبدأ نبوءة أشعيا. الكتاب المقدّس كلّه يشهد بأنّ إلهنا غير مفهوم. أو بالأحرى بأنّ قلوبنا أغلظ من أن تفهمه. “فإِنَّ أَفكاري لَيسَت أَفْكارَكم ولا طرقُكم طُرُقي، يَقولُ الرَّبّ. كما تَعْلو السَّمواتُ عنِ الأَرض كذلك طُرُقي تَعْلو عن طُرُقِكم وأَفْكاري عن أَفْكارِكم” (أشعيا ٥٥: ٨-٩). ولكنّ غلاظة القلب ليست محتّمة. لأنّ الله يفتح قلوبنا على معرفته، إن رغبنا في ذلك ولم نقاوم عمله.
“الحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح.” (يوحنّا ١٧: ٣). معرفة الربّ هي أثمن ما في الوجود. لأنّها تحقّق فينا المصالحة، فلا يعود فينا من عنف وغفلة ولامبالاة. “لا يُسيئونَ ولا يُفسِدون في كُلِّ جَبَلِ قُدْسي لِأَنَّ الأَرض تَمتَلِئُ مِن مَعرِفَةِ الرَّبّ كما تَغمُرُ المِياهُ البَحر.” (أشعيا ١١: ٩). بل معرفة الربّ الّتي تقود إلى الحبّ الصحيح هي العبادة بالروح والحقّ الّتي يريدها الربّ. لهذا يقول النبيّ هوشع: “إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة مَعرِفَةَ اللهِ أَكثَرَ مِنَ الـمـُحرَقات.” (هوشع ٦: ٦).
جُعل الحمار والثور في المغارة لإخجالنا، لكي نسأل أنفسنا: “ابن الانسان حين يأتي أيجد على الارض ايماناً؟” ولكي نجعل من حياتنا جوابًا.
للتأمّل: شفاء الأعمى منذ مولده (يوحنّا ٩)
١. وبَينَما هو سائِرٌ رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ مَولِدِه. فسأَلَه تَلاميذُه: «رابِّي، مَن خَطِئَ، أَهٰذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أَعْمى؟». أَجابَ يسوع: «لا هٰذا خَطِئَ ولا والِداه، ولٰكِن كانَ ذٰلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله. يَجِبُ علَينا، ما دامَ النَّهار، أَن نَعمَلَ أَعمالَ الَّذي أَرسَلَني. فاللَّيلُ آتٍ، وفيه لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَعمَل. ما دُمتُ في العالَم، فأَنا نورُ العالَم». قالَ هٰذا وتَفَلَ في الأَرض، فجَبَلَ مِن تُفالِه طينًا، وطَلى بِه عَينَي الأَعْمى، ثُمَّ قالَ له: «إِذهَبْ فَٱغتَسِلْ في بِركَةِ سِلوامَ»، أَي الرَّسول. فذَهَبَ فٱغتَسَلَ فَعادَ بَصيرًا.
٢. فقالَ الجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرونَه مِن قَبلُ، لأَنَّه كانَ شحَّاذًا: «أَلَيسَ هو ذاكَ الَّذي كانَ يَقعُدُ فيَستَعْطي؟» وقالَ آخَرون: «إِنَّه هو». وقالَ غَيرُهم: «لا، بل يُشبِهُه». أَمَّا هوَ فكانَ يقول: «أَنا هو». فقالوا له: «فكَيفَ ٱنفَتَحَت عَيناكَ؟» فأَجابَ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذي يُقالُ لَه يسوع جَبَلَ طينًا فطَلى بِه عَينَيَّ وقالَ لي: «إِذهَبْ إِلى سِلوامَ فٱغتَسِل. فذَهَبتُ فَٱغتَسَلتُ فَأَبصَرتُ». فقالوا له: «أَينَ هو؟» قال: «لا أَعلَم.»
٣. فَذَهبوا إِلى الفِرِّيسيِّينَ بِذاكَ الَّذي كانَ مِن قَبْلُ أَعْمى. وكانَ اليَومُ الَّذي فيه جَبَلَ يسوعُ طينًا وفَتحَ عَينَيِ الأَعمى يَومَ سَبْت. فسأَلَه الفِرِّيسيُّونَ أَيضًا كَيفَ أَبصَر. فقالَ لَهم: «جَعَلَ طينًا على عَينَيَّ ثُمَّ ٱغتَسَلتُ وها إِنِّي أُبصِر». فقالَ بَعضُ الفِرِّيسِيِّين: «لَيسَ هٰذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لأَنَّه لا يَحفَظُ شَريعةَ السَّبْت». وقالَ آخَرون: «كَيفَ يَستَطيعُ خاطِئٌ أَن يَأتيَ بِمِثلِ هٰذهِ الآيات؟» فوَقَعَ الخِلافُ بَينَهم. فقالوا أَيضًا لِلأَعمى: «وأَنتَ ماذا تَقولُ فيه وقَد فَتَحَ عَينَيكَ؟» قال: «إِنَّهُ نَبِيّ.» (…) أَجابوه: «أَتُعلِّمُنا أَنتَ وقد وُلِدتَ كُلُّكَ في الخَطايا؟» ثمَّ طَردوه.
٤. فَسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه، فلَقِيَه وقالَ له: «أَتُؤمِنُ أَنتَ بِٱبنِ الإِنسان؟» أَجاب: «ومَن هو، يا ربّ، فأُومِنَ به؟» قالَ له يسوع: «قد رَأَيتَه، هو الَّذي يُكَلِّمُكَ». فقال: «آمنتُ، يا ربّ» وسَجَدَ له. فقالَ يسوع: «إِنِّي جِئتُ هٰذا العالَمَ لإِصدارِ حُكْمٍ: أَن يُبصِرَ الَّذينَ لا يُبصِرون، ويَعْمى الَّذينَ يُبصِرون».
٥. فسَمِعَه بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ الَّذينَ كانوا معَه فقالوا له: «أَفنَحنُ أَيضًا عُمْيان؟» قالَ لَهم يسوع: «لو كُنتُم عُمْيانًا لَما كانَ علَيكُم خَطيئة. ولٰكِنَّكُم تَقولونَ الآن: إِنَّنا نُبصِر، فخَطيئَتُكُم ثابِتَة».
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن يفتح الربّ أعيننا لنرى عمله وحضوره في حياتنا
١. عند قراءة المقطع الأوّل: أرى كيف ينظر تلاميذ يسوع إلى الأعمى منذ مولده وكيف ينظر إليه يسوع. هم يرَون لعنة أصابته ويتساءلون عن المذنب. هو يرى بركة خفيّة، يرى عمل الله الّذي سيظهر في قلب الظلمة. أرى يسوع يجبل الطين من التراب، كما جبل الله الطين في بدء الخليقة ليصنع الإنسان. أرى الأعمى يغتسل في بركة الرسول فيعود بصيرًا.
٢. عند قراءة المقطع الثاني: أرى الناس منقسمين بشأن الأعمى: بعضهم يقولون “هو” وآخرون “ليس هو”. اعتادوا على أن يعرفوه أعمى ولم يروا فيه سوى الأعمى. أمّا هو فليس منقسمًا، بل يقول: “أنا هو”.
٣. عند قراءة المقطع الثالث: أرى الناس مقسمين بشأن يسوع: بعضهم يقول إنّه من الله لأنّه فتح عيني الأعمى، وبعضهم يقول ليس من الله لأنّه لا يحترم السبت. أمّا الأعمى فيقول: إنّه نبيّ ويدفع ثمن قوله.
٤. عند قراءة المقطع الرابع: مع أنّ الإيمان بيسوع مكلف، الأعمى يسجد له، لأنّ معرفة يسوع أثمن له من أيّ شيء آخر. فهو لا يبصر بعينيه فقط بل بقلبه. أمّا الّذين ليسوا عميانًا فيظهرون على أنّهم هم العميان.
٥. عند قراءة المقطع الخامس: أفكّر في كلام يسوع. أيّ تحضير لعيد الميلاد يولّد فيّ؟
اليوم الثاني: الرعاة
اليوم الثاني: الرعاة
أتى تلاميذ يسوع يومًا يخبرون معلّمهم بما تجري على أيديهم من معجزات بفضل القدرة الّتي شاركهم بها، وهي القدرة على أن يتكلّموا باسم الآب ويعلنوا مجده. فقالوا له: “حتّى الشياطين تخضع لنا باسمك”. أمّا هو فأجاب: “لا تَفرَحوا بِأَنَّ الأَرواحَ تَخضَعُ لَكُم، بلِ افرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّموات” (لوقا ١٠: ١٧-٢٠).
ليس كلّ فرح معدًّا لأن يدوم. إن كان فرحُنا قائمًا على أساس ثابت، يقدر أن يجتاز امتحان الصعوبة. إن فرحنا للأسباب الصحيحة يدوم فرحنا. أمّا إن فرحنا لأنّ الظروف توافقنا، أو لأنّنا اختبرنا نجاحًا وما إلى ذلك، ففرحنا معرّض لأن يضيع.
“افرحوا” يقول القدّيس بولس إلى أهل فيليبي (٤: ٤)، ولكنّ الفرح لا يُؤمرُ به مثل “أكرم أباك وأمّك” أو “قدّس يوم الربّ” أو “لا تقتل”. فمن يستطيع أن يفرح “على الطلب” أو باسم الطاعة؟ الفرح هو موضوع اكتشاف. ما يعطينا الفرح هو الثقة بأنّ حياتنا تستحقّ أن تُعاش. “أسماؤكم مكتوبة في السَّموات”.
في المغارة مشهد محيّر: رعيان قَدِموا من نواحي بيت لحم ليروا الطفل، لأنّ ملاكًا أعلن لهم عن ولادته. على وجوههم فرح ودهشة. أتوا ورأوا، ثمّ ذهبوا… عادوا إلى قطعانهم وبيوتهم وهمومهم. ما الّذي تغيّر في ظروفهم؟ ولا بعد ثلاثين سنة لن يظهر لهم معنى ما شاهدوه في تلك الليلة. فما هذا الفرح على وجوههم؟ هل يمكن للإنسان أن يفرح لا لشيء سوى لمجد الله؟
فَرِح الرعاة لأنّهم رأوا العلامة الّتي أعطاهم إيّاها الملاك: “طفل مقمّط مُضجعٌ في مذود”. هلّا توقّفنا قليلاً أمام هذه العلامة؟ بماذا هي علامة؟ المذود هو حيث يجب ألاّ يكون الطفل. طفل في مذود يشبه شمعة متّقدة وموضوعة في خارج البيت، حيث تعصف الرياح. يجب على الشمعة أن تنطفئ، ولكنّها لا تنطفئ، وهيذي العلامة! ” القَصَبَةُ المَرْضوضةُ لن يَكسِرَها والفَتيلةُ الـمُدَخِّنَةُ لن يُطفِئَها” (أشعيا ٤٢: ٣) هكذا يصف أشعيا المخلّص. وأمّا الرعاة فعلامة الملاك لهم بخصوص المخلّص أنّه طفل في مذود. معرّض لكلّ الأمراض. هشّ مثل هشاشة حياتهم. لكنّه سيحيا، بل وسيكون مخلّص شعبه. حياتي الهشّة ليس محكوم عليها بالهباء، أو بالعبث. قصّتي الصغيرة ليست خالية من المعنى. لأنّها تشبه ولادة المخلّص. لعلّ هذا هو فرح الرعيان. لم تتغيّر ظروفهم، ولكنّهم عرفوا أنّ حياتهم لها قيمة.
للتأمّل:
١. وفي تلكَ الأَيَّام قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجاً في بَطْني فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ.
٢. فقالَت مَريَم: “تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي وتَبتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِليَّ أُموراً عَظيمة. قُدُّوسٌ اسمُه، ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ لِلذَّينَ يَتَقّونَه. كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه فشَتَّتَ الـمُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم. حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش ورفَعَ الوُضَعاء. أَشَبعَ الجِياعَ مِنَ الخَيرات والأَغنِياء صرَفَهم فارِغين. نصَرَ عَبدَه إسرائيل ذاكِراً، كما قالَ لآبائِنا، رَحمَتَه لإِبراهيمَ ونَسْلِه لِلأَبد.” وأَقَامَت مَريمُ عِندَ أَليصاباتَ نَحوَ ثَلاثَةِ أَشهُر، ثُمَّ عادَت إِلى بَيتِها.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن يفتح الربّ قلوبنا على الفرح الّذي يكشف لنا عنه
اليوم الثالث: المجوس
اليوم الثالث: المجوس
في أحد الأيّام قالَ يسوع لِلجُموع: “إِذا رَأَيتُم غَمامَةً تَرتَفِعُ في المَغرِب، قُلتُم مِن وَقتِكم: سَيَنزِلُ المَطَر، فيكونُ كَذلك. وإِذا هَبَّتِ الجَنوب قُلتُم: سيَكونُ الجَوُّ حارّاً، فيَكونُ ذلك. أَيُّها المراؤون، تُحسِنونَ تَفَهُّمَ مَنظَرِ الأَرضِ والسَّماء، فكَيفَ لا تُحسِنونَ تَفَهُّمَ الوَقْتِ الحاضِر؟ ولِمَ لا تَحكُمونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكم؟” (لوقا ١٢: ٥٤-٥٧).
تفهّم الوقت الحاضر… هذه هي النعمة الّتي نطلبها اليوم. كشف لنا الوباء عن هشاشة مجتمعاتنا وأوطاننا وأنظمتنا. بل انكشفت أيضًا هشاشة مؤسّساتنا أمام الفساد والطمع، وأمام الغباء، غباء من يظنّ أنّ الفرح يُمتلك امتلاكًا. وإنّما يحدث هذا “لتنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة” (لوقا ٢: ٣٥)، كما قال سمعان الشيخ لمريم ويوسف بخصوص المولود الجديد. فمِنَ الناس من يرى ويشعر ويفهم أنّ العالم يتغيّر، وأنّ أنظمتنا القديمة قد وصلت إلى إفلاسها، وأنّ الزمن الحاضر هو زمن التضامن، لأنّ الظلم الصارخ بحقّ الفقراء كشف النقاب عن العنف المتخفّي في حضاراتنا. ومن الناس من يسعى جاهدًا للحفاظ على القديم، لأنّ قلبه تعلّق فيه. ومن الناس من يُمعن استهلاكًا للأرض واستغلالاً للناس بغير اعتبار لما يحدث. نعيش في زمن تحوّل عميق، ونطلب أن نفهم هذا التحوّل وأن نُؤَنْسِنَه لكي يزداد عالمنا أخوّة بدلًا من أن يزداد وحشيّة.
ملوك المجوس أتَوا من بعيد ليسجدوا للملك المولود. تدرّبوا على تفهّم منظر الأرض والسماء، وانتبهوا إلى الجديد الّذي يظهر. تركوا مكان راحتهم وانطلقوا إلى الغربة، لا لشيء إلاّ ليؤدّوا التحيّة إلى ملك لا يزال مُقمّطًا، إلاّ أنّه يحمل رجاء ملكوت جديد. ملوك رعاة، يعرفون هموم الرعيّة ويفهمون أنّ أنظمة الحكم كلّها لا تؤدّي العدل كما ينبغي. رجاؤهم أنّ ملكًا جديدًا أنبأت به النجوم سيكشف ظلم العالم ويعد بعدالة السماء. العالم القديم يزول، وها إنّ عالـمـًا جديدًا يظهر.
رأى المجوس نجم الملك الجديد في السماء، فتبعوه. كان لهم الملاك المرشد فتبعوه. غير أنّ النجم اختفى، ولا ندري لماذا اختفى. لماذا نشعر أحيانًا أنّ الله يقودنا في طريق ثمّ يختفي، وكأنّه يتركنا في منتصف الطريق. وليت النجم لم يختفِ لأنّ ملوك المجوس لجأوا إلى هيرودس، ملك اليهوديّة. وهذا، حين سمعهم، “اضطرب، واضطربت معه أورشليم كلّها” (متّى ٢: ٣). خاف هيرودس على ملكه من طفل صغير، فدبّر مقتل أطفال بيت لحم. أمّا الطفل يسوع فنجا إلى حين، إلى أن حملت عليه أورشليم كلّها بعد ثلاثين سنة، وسلّمته إلى الرومان ليصلبوه.
أمّا المجوس فوجدوا النجم من جديد وفرحوا، ووصلوا إلى مكان الطفل. وأودعوا أهله الهدايا الّتي أحضروها. وسجدوا، ثمّ مضوا من طريق آخر. كيف يصير من الأوّلين آخرين ومن الآخرين أوّلين؟ هؤلاء البعيدون صاروا قريبين، أمّا القريب فأقصى نفسه، وصار قاتل أطفال.
ذات يوم سأل يسوع تلاميذه: “فيمَ كُنتُم تَتَجادَلونَ في الطَّريق؟” فظَلُّوا صامِتين، لأَنَّهم كانوا في الطَّريقِ يَتَجادَلونَ فيمَن هُو الأَكبَر. فجَلَسَ ودَعا الاثَنيْ عَشَرَ وقالَ لَهم:”مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَلْيَكُنْ آخِرَهم جَميعاً وخادِمَهُم”. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ طِفْلٍ فأَقامَه بَينَهم وضَمَّه إِلى صَدرِه وقالَ لَهم: مَن قَبِلَ واحِداً مِن أَمْثالِ هؤُلاءِ الأَطْفالِ إِكراماً لِاسمِي فقَد قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني فلم يَقبَلْني أَنا، بلِ الَّذي أَرسَلَني. (مرقس ٩: ٣٣-٣٧)
للتأمّل: (لوقا ٤: ١٤-٣٠)
١. وعادَ يسوعُ إِلى الجَليلِ بِقُوَّةِ الرُّوح، فانتَشَرَ خَبَرُه في النَّاحِيَةِ كُلِّها. وكانَ يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم فيُمَجِّدونَه جَميعاً. وأَتى النَّاصِرَةَ حَيثُ نَشَأَ، ودخَلَ الـمَجْمَعَ يَومَ السَّبتِ على عادَتِه، وقامَ لِيَقرأ. فدُفِعَ إِلَيه سِفْرُ النَّبِيِّ أَشَعْيا، فَفَتَحَ السِّفْرَ فوَجدَ الـمَكانَ المكتوبَ فيه: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ”.
٢. ثُمَ طَوَى السِّفرَ فَأَعادَه إِلى الخادِمِ وجَلَسَ. وكانَت عُيونُ أَهلِ الـمَجمَعِ كُلِّهِم شاخِصَةً إِلَيه. فَأَخَذَ يَقولُ لَهم: “اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم”. وكانوا يَشَهدونَ لَه بِأَجمَعِهِم، ويَعجَبونَ مِن كَلامِ النِّعمَةِ الَّذي يَخرُجُ مِن فَمِه فيَقولون: “أَما هذا ابنُ يوسُف؟”
٣. فقالَ لَهم: “لا شكَّ أَنَّكم تَقولونَ لي هذا المَثَل: يا طَبيبُ اشفِ نَفسَكَ. فاصنَعْ ههُنا في وَطَنِكَ كُلَّ شَيءٍ سَمِعْنا أَنَّه جَرى في كَفَرناحوم”. وأَضاف: “الحَقَّ أَقولُ لكم: ما مِن نَبِيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه. وبِحقٍّ أَقولُ لَكم: كانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ الأَرامِلِ في أَيَّامِ إِيلِيَّا، حينَ احتَبَسَتِ السَّماءُ ثَلاثَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهُر، فأَصَابَتِ الأَرضَ كُلَّها مَجاعَةٌ شديدة، ولَم يُرسَلْ إِيليَّا إِلى واحِدَةٍ مِنهُنَّ، وإِنَّما أُرسِل إِلى أَرمَلَةٍ في صَرْفَتِ صَيدا. وكانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ البُرْصِ على عَهدِ النَّبِيِّ أَليشاع، فلَم يَبْرأْ واحِدٌ مِنهُم، وإِنَّما بَرِئ نُعمانُ السُّوريّ.
٤. فثارَ ثائِرُ جَميعِ الَّذينَ في الـمَجمَع عِندَ سَماعِهِم هذا الكَلام. فَقاموا ودَفَعوه إِلى خارِجِ الـمَدينة وساقوه إلى حَرْفِ الـجَبَلِ الَّذي كانَت مَدينتُهم مَبنِيَّةً علَيه لِيُلقوُه عَنه، ولَكِنَّه مَرَّ مِن بَينِهم ومَضى.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن “نتفهّم الزمن الحاضر” أي أن نقبل الجديد الّذي يُحضره الله إلى حياتنا
١. أتخيّل يسوع يعلّم ويشفي ويصلّي وهو “بقوّة الروح” أي بجرأة وبصدق وبلطف وباندفاع… والكلّ يمدحونه. ما الّذي يحتاج إليه الناس ويجدونه في يسوع؟ في أيّامنا نحن، ما الّذي يحتاج إليه الناس لكي يزدادوا رجاء وثقة؟
٢. “اليوم تمّت هذه الآية”، الآية الّتي تقول “الربّ مسحني وأرسلني”. أمّا السامعون فمنشغلون بأصل يسوع ونسبه: “أما هذا ابن يوسف؟”. أفكّر في الفرق بين ما يسكن في قلب يسوع من دعوة إلى الثقة وما يسكن قلوب سامعيه من رغبة في امتلاكه.
٣. كيف يصير البعيد قريبًا والقريب بعيدًا؟ القريب يظنّ أنّه يمتلك السرّ، يعتبره تحصيلاً حاصلاً. أراجع نفسي: أما زال المسيح يفاجئني؟
٤. أتذكّر هيرودس كيف أراد قتل الطفل يسوع.
اليوم الرابع: يوسف
اليوم الرابع: يوسف
علّم يسوع تلاميذه قائلاً: “لَيسَ مَن يَقولُ لي يا ربّ، يا ربّ يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات.” (متّى ٧: ٢١) “أُدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. فإِنَّ البابَ رَحْبٌ والطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الهَلاكِ واسِع، والَّذينَ يَسلُكونَه كَثيرون. ما أَضْيَقَ البابَ وأَحرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَليلون.” (متّى ٧: ١٣-١٤).
لماذا جُعل الباب المؤدّي إلى الحياة ضيّقًا؟ أيكون إلهنا ضيّق الصدر في إعطاء الخلاص؟ أم أنّ الباب ضيّقٌ لأنّه يتطلّب مواجهة النفس؟ العبادة بالكلام أو باللسان لا تُدخلنا ملكوت الله. والربّ لا ينغشّ بعبادات “لَها ظاهِرُ الحِكمَةِ لما فيها مِن نَفْلٍ وتَخَشعٍّ وتَقَشُّف، ولكِن لا قيمةَ لَها لأَنَّها غَيرُ صالِحةٍ إلاَّ لإِرضاءَ الهَوى البَشرِيّ.” (قولوسي ٢: ٢٣).
في المغارة أرى يوسف، ذلك الرجل البارّ الّذي يعبد الله بأن يقوم بدوره، زوجًا وأبًا. حبّه وأمانته هما عبادته الصادقة، ليس فيها كبرياء ولا مغالاة ولا حبّ ظهور. هو الوجه الّذي رآه الطفل يسوع وتعلّم أن يدعوه أبّا، وهو الإنسان الّذي في كنفه تعلّم أن يكون ابنًا. صوته درّب المسيح على سماع صوت الآب. ولكي يبلغ هذا المقام ما كان عليه سوى أن يكون زوجًا وأبًا، أمينًا لنفسه ولعائلته ولإلهه.
غير أنّ يوسف أيضًا عبر من الباب الضيّق. يقول عنه الإنجيل إنّه كان بارًّا، أي إنّه لا يأخذ ما ليس له. حين علم بحبل مريم، لم يُرد أن يُقال له أبًا لطفل ليس ابنه، لئلاّ يأخذ ما ليس له. تنازعته الأفكار في ما عليه أن يفعل، وقرّ قراره على ترك مريم من دون فضح أمر حبلها. خاض يوسف صراعًا بين شوقه إلى الّتي يحبّها وخوفه من أن يأخذ ما ليس له فلا يرضي الله، وكعادته، قرّر أن يتحمّل وحده النتيجة، فيفقد ما يرغب فيه بدون أن يحمّل مريم وزر خسارته. مثله مثل الكثيرين منّا، نحلّ الأزمات بأن نتحمّل الحزن والألم والخوف لنجنّب الآخرين أن يتحمّلوها، مع أنّها تخصّهم كما تخصّنا. مثله مثل الكثيرين منّا، لا يجرؤ على طلب ما يريد لئلاّ يؤذي أحدًا، ويكتفي بأن يدفن حزنه في أعماق نفسه. من تلك الأعماق، من عمق السبات والحلم، كلّمه ملاك الربّ قائلاً: “لا تخف أن تأخذ امرأتك”. فبالرغم من “بطولة” يوسف الّذي يريد أن يضحّي بنفسه لأجل من يحبّ، ما زال قراره قرار إنسان خائف من قلبه، يلجم حبّه، يمتنع عن الحياة خوفًا من الظلم. ما زال يختار الأسهل، القرار الّذي لا يقلق ضميره ويجنّبه عناء التمييز. من قلب السبات يأتي الصوت “لا تخف أن تأخذ امرأتك”. وعند اليقظة يختار يوسف الباب الضيّق، يختار أن يصدّق حلمه، وأن يصدّق قلبه، وأن يصدّق امرأته.
نحتاج جميعًا إلى هذا الصوت الأبويّ: “لا تخف”. هو الّذي يجعلنا نعمل بمشيئة الآب. بدونه، نبقى أسرى خوفنا. نكتفي بأن نمتنع عن الخطأ بدون أن نتجرّأ على الخير. مثل رئيس المجمع الّذي اغتاظ لرؤية الناس يطلبون الشفاء من يسوع في يوم السبت، فقالَ لِلجَمع: “هُناكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَجِبُ العَمَلُ فيها، فتَعالوا واستَشفوا خِلالَها، لا يَومَ السَّبْت.” (لوقا ١٣: ١٤). استشفوا كما تريدون، ولكن لمَ المخاطرة؟ امتنعوا عن يوم السبت! أمّا يسوع، الّذي يعرف صوت الآب، ويعرف قلب الآب، فلم يمتنع عن الرحمة خوفًا من الشريعة، لأنّ غاية الشريعة هي في الرحمة.
أنظر إلى يوسف، رجل يعرف ما عليه أن يفعل ليخدم مشيئة الله: أن يكون زوجًا وأبًا بكلّ ما أوتي من قدرة. انتباهه على سلامة الطفل وأمّه يختزن كلّ ما عاناه وسيعانيه من أجل الربّ. وحين يفكّر في ما كان سيكون لو أنّه بقي على قراره الأوّل، لاكتشف أنّ الراحة في كثير من الأحيان تناقض الفرح.
للتأمّل: (مرقس ٥: ٢١-٤٣)
١. ورجَعَ يسوعُ في السَّفينَةِ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل، فازدَحَمَ علَيه جَمعٌ كثير، وهو على شاطِئِ البَحْر. فجاءَ أَحَدُ رُؤَساءِ المَجْمَعِ اسمُه يائِيرس. فلَمَّا رآهُ ارتَمى على قَدَمَيْه، وسأَلَه مُلِحّاً قال: اِبنَتي الصَّغيرةُ مُشرِفَةٌ على المَوت. فتَعالَ وضَعْ يَدَيكَ علَيها لِتَبرَأَ وتَحيا. فذَهبَ معَه وتَبِعَهُ جَمْعٌ كثيرٌ يَزحَمُه.
٢. وكانت هُناكَ امرأَةٌ مَنزوفَةٌ مُنذُ اثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، قد عانَت كثيراً مِن أَطِبَّاءَ كَثيرين، وأَنفَقَت كُلَّ ما عِندَها فلَم تَستَفِدْ شَيئاً، بل صارت مِن سَيِّئٍ إِلى أَسوَأ. فلمَّا سَمِعَت بِأَخبارِ يسوع، جاءَت بَينَ الجَمعِ مِن خَلْفُ ولَمَسَت رِداءَه، لأَنَّها قالت في نَفسِها: إِن لَمَسْتُ ولَو ثِيابَه بَرِئْتُ. فجَفَّ مَسيلُ دَمِها لِوَقتِه، وأَحَسَّت في جِسمِها أَنَّها بَرِئَت مِن عِلَّتِها.
٣. وشَعَرَ يسوعُ لِوَقْتِه بِالقُوَّةِ الَّتي خَرجَت مِنه، فالتَفَتَ إِلى الجَمعِ وقال: مَن لَمَسَ ثِيابي؟ فقالَ له تَلاميذُه: تَرى الجَمْعَ يَزحَمُكَ وتقول: مَن لَمَسَني؟ فأَجالَ طَرْفَهُ لِيَرَى الَّتي فَعلَت ذلك. فخافَتِ المَرأَةُ وارتَجَفَت لِعِلمِها بِما حدَثَ لَها، فَجاءَت وارتَمَت على قَدَمَيه واعتَرفَت بالحَقيقَةِ كُلِّها. فقالَ لها: يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَاذهَبي بِسَلام، وتَعافَي مِن عِلَّتِكِ.
٤. وبَينَما هُو يَتَكَلَّم، وَصَلَ أُناسٌ مِن عِندِ رئيسِ المَجمَعِ يقولون: اِبنَتُكَ ماتَت فلِمَ تُزعِجُ المُعَلِّم؟ فلَم يُبالِ يسوعُ بهذا الكَلام، بل قالَ لِرئيسِ المَجمَع: لا تَخَفْ، آمِنْ فقط. ولَم يَدَعْ أَحَداً يَصحَبُه إِلاَّ بُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا أَخا يَعقوب. ولَمَّا وَصَلوا إِلى دارِ رئيسِ المَجمَع، شَهِدَ ضَجيجاً وأُناساً يَبكونَ ويُعْوِلون. فدَخلَ وقالَ لَهم: لِماذا تَضِجُّونَ وتَبكون؟ لم تَمُتِ الصَّبِيَّة، وإِنَّما هيَ نائمة، فَضَحِكوا مِنهُ. أَمَّا هو فأَخرَجَهم جَميعاً وسارَ بِأَبي الصَّبيَّةِ وأُمِّها والَّذينَ كانوا معَه ودخَلَ إِلى حَيثُ كانَتِ الصَّبيَّة. فأَخَذَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وقالَ لها: طَليتا قوم! أَي: يا صَبِيَّة أَقولُ لكِ: قومي. فقامَتِ الصَّبيَّةُ لِوَقتِها وأَخَذَت تَمْشي، وكانتِ ابنَةَ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَة. فَدَهِشوا أَشَدَّ الدَّهَش، فَأَوصاهم مُشَدِّداً علَيهِم أَلاَّ يَعلَمَ أَحَدٌ بذلك، وأَمَرَهُم أَن يُطعِموها.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي الجرأة
اليوم الخامس: مريم
اليوم الخامس: مريم
ذات يوم قالت امرأة ليسوع: “طوبى لِلبَطنِ الَّذي حَمَلَكَ، ولِلثَّدْيَيْنِ اللَّذَينِ رَضِعتَهما” (لوقا ١١: ٢٧)، أمّا يسوع فأجابها: “بل طوبى لِمَن يَسمَعُ كَلِمَةَ اللهِ ويَحفَظُها!”
كلمة “طوبى” تعني غبطة وسعادة. نقول أيضًا “نيّالك” وتعني “هنيئًا لك” بلهجة عامّيّة. وهي إعلان فرح موعود، قد يكون لم يظهر بعد. مثل قول يسوع “طوبى للحزانى فإنّهم يُعزّون”، فهو يعدهم بالفرح. أو مثل قول أليصابات لمريم: “طوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ” (لوقا ١: ٤٥). فهي تُعلن فرحًا يعطيه الربّ لكلّ من يؤمن. فالطوبى هي إكليلٌ معدٌّ لمن يراهن عليه ويطلبه.
وفي حين تنشد تلك المرأة تطويب أمّ يسوع لأنّها حملته في بطنها وأرضعته حليبها، يعيد يسوع التطويبة إلى مكانها: كلّ من يسمع كلمة الله ويحفظها يلد المسيح في العالم ويغذّي عمله الصالح. وإذا كانت مريم تنال الطوبى من جميع الأجيال كما تقول في نشيدها (لوقا ١: ٤٨)، فذلك لأنّها آمنت بكلمة الربّ وحفظتها. يقول لوقا الإنجيليّ مرّتين إنّها كانت “تحفظ تلك الأمور (الّتي تخصّ ابنها) وتتأمّل فيها في قلبها” (لوقا ٢: ١٩ و٢: ٥١).
أنظر إلى مريم في المغارة. تلك الّتي تحوّلت حياتها كما يحوّل المواليد حياة والداتهم. لم تفهم دائمًا ماذا يحدث معها كما يقول الإنجيل (لوقا ٢: ٥٠) وكمثل كلّ الأمّهات، كان عليها أن تدع ابنها يترك البيت، وحين طلبته لم تجده، لأنّ البيت بالنسبة إليه هو حيث يعمل الإنسان بمشيئة الآب، فهو له أمّ وأخ وأخت (مرقس ٣: ٣١-٣٥). وحين لا تفهم، تأخذ موقع التلميذ، فتتأمّل في قلبها. يختصر الإنجيل حياتها بكلمة: “أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا ١: ٣٨).
مريم-البيت، أتخيّلها تراني وتدعوني إلى التقدّم. “كلّ من يعمل مشيئة أبي هو أمّي وأخي وأختي”. تضع بين يديّ مولودها الجديد. ليس عليّ أن أفعل شيئًا أو أن أعرف شيئًا، سوى أن أتنبّه كما يتنبّه كلّ من يحمل طفلاً. وأدع الطوبى تجتاحني.
طوبى مريم ليست سهلة. سمعان الشيخ سيقول لها بعد أيّام أنّ سيفًا سينفذ في نفسها (لوقا ٢: ٣٥) بسبب ابنها. لهذا يقول تقليد قديم إنّ مريم لم تلد يسوع بمخاض مؤلم. ليس ذلك إلاّ إشارة إلى أنّ مخاضها سيتمّ حين تقف أمام صليب ابنها (يوحنّا ١٩: ٢٥-٢٧) وتصير الأمّ لإخوة كثيرين. مع أنّها الممتلئة نعمة، كما أسماها الملاك (لوقا ١: ٢٨) إلاّ أنّها هي أيضًا “بالمشقّة تلد البنين” مثل حوّاء أمّها (تكوين ٣: ١٦).
أنظر إلى مريم وأطلب نعمةً، نعمة أن أعطي كلمة الله جسدًا في جسدي، فأتلقّى الطوبى من وسط مشقّات حياتي.
للتأمّل: (يوحنّا ٢: ١-١١)
١. وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك.
٢.فدُعِيَ يسوعُ أَيضاً وتلاميذُه إِلى العُرس. ونَفَذَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: “لَيسَ عِندَهم خَمْر”. فقالَ لها يسوع: “ما لي وما لَكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد”.
٣. فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: “مَهما قالَ لَكم فافعَلوه”.
٤. وكانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: “اِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً”. فمَلأُوها إِلى أَعْلاها. فقالَ لَهم: اِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة. فناوَلوه، فلَمَّا ذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْراً، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون، دَعا العَريسَ وقالَ له: “كُلُّ امرِىءٍ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا سَكِرَ النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إِلى الآن”. هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن نُظهر المسيح في أجسادنا (أعمالنا، أقوالنا، مواقفنا)
١. “كانت أمّ يسوع هناك”
٢. “لم تأتِ ساعتي بعد”. ساعة يسوع هي الصليب. هناك أيضًا أمّ يسوع حاضرة. حضورها مرتبط بالساعة، ساعة المخاض، كما يقول يسوع: “إِنَّ المرأَةَ تَحزَنُ عِندما تَلِد لأَنَّ ساعتَها حانَت. فإِذا وَضَعتِ الطَّفْلَ لا تَذكُرُ شِدَّتَها بَعدَ ذلك لِفَرَحِها بِأَن قد وُلِدَ إِنسانٌ في العالَم” (يوحنّا ١٦: ٢١)
٣. “مهما قال لكم فافعلوه”. أتذكّر كلمتها: “أنا أمة الربّ…”
٤. “في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون”. موقع الخادم ليس أدنى درجة، بل أقرب إلى معرفة الربّ.
اليوم السادس: الملائكة
اليوم السادس: الملائكة
قال يسوع لتلاميذه: “طعامي أن أعمل بمشيئة الّذي أرسلني وأن أتمّ عمله.” (يوحنّا ٤: ٣٤).
نحن نحتاج إلى الطعام يسند أجسادنا. وابن الله شاركنا بكلّ شيء فصار مثلنا يحتاج إلى الطعام.
ونحن نحتاج إلى التقدير يسند رغبتنا في الحياة. وابن الله صار واحدًا منّا، يحتاج إلى الحبّ والتقدير ليتمّ إنسانيّته.
ولكنّنا لا نحبّ أنّنا نحتاج إلى الطعام والتقدير. نشعر أنّنا نعتمد على الآخرين. نتمنّى لو أنّنا نحيا من دون جوع وعطش. نأسف لاحتياجنا إلى تقدير الآخرين ومساندتهم. نريد أن نكون مثل الملائكة، بدون جسد. أمّا ابن الله، فمع أنّه في صورة الله، “لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة بل تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر” (فيليبي ٢: ٦-٧)، وذلك لكي يصالحنا مع إنسانيّتنا. لو لم نكن معرّضين للجوع لما عَنَت لنا الإفخارستيّا شيئًا، فابن الله صار لنا طعامًا لأنّ لنا في الطعام حياة وقبول للحياة. ولو لم نحتَج للتقدير، لما كانت تعزيات الربّ تقوّينا وتدلّنا في الطريق مثل نجم المجوس، مثل ملائكة الرعاة، مثل أحلام يوسف، مثل رؤى زكريّا ومريم.
فنحن نكره إنسانيّتنا، أمّا الله فيحبّها. منذ اختبارنا الأوّل لنقصنا، لعدم اكتمالنا، لحاجتنا إلى الزمن، زمن الانتظار، زمن الاكتمال، وتطنّ في آذاننا كلمة الحيّة: “تصيران مثل آلهة” (تكوين ٣: ٥). لكي “نصير مثل آلهة” نمدّ يدنا ونأخذ ما ليس لنا، ظانّين أنّنا بذلك نكمّل أنفسنا. من يأخذ ما ليس له يعتبر أنّ ما له غير كافٍ. هذا هو الوهم الّذي يسمّم حياتنا، فنكره إنسانيّتنا. ابن الله صار واحدًا منّا لكي نحبّ إنسانيّتنا وما لها، لأنّ لها ابن الله نفسه. “إنّ الله الّذي لم يضنّ بابنه، بل أسلمه إلى الموت من أجلنا جميعًا، كيف لا يهبنا معه كلّ شيء؟” (روما ٨: ٣٢).
لكي نستطيع أن نحمل صليب إنسانيّتنا، ونتصالح مع الله بشأن هويّتنا، فنقبل أنفسنا مباركين بالمسيح منذ قبل إنشاء العالم، يكشف لنا الله عن قصده الخلاصيّ ويجعلنا مشاركين بإتمام عمله. “طعامي أن أعمل مشيئة الّذي أرسلني وأن أتمّ عمله”. عمل الملائكة أن يكشفوا عن قصد الله لكي يشارك الإنسان في إتمامه، وكما نتغذّى من الطعام والتقدير، نتغذّى أيضًا من التعزيات الروحيّة الّتي يعطيها الربّ بغزارة لمن يسير في طريق مشيئته.
أرى الملائكة في المغارة. أراهم مجسّمين بصورة بشر مجنّحين، أراهم بصورة النجم فوق المغارة، أراهم بصورة الكريات الّتي بها نزيّن شجرة العيد. أراهم في ذاكرة الرعاة ويوسف ومريم. أراهم في الفرح الّذي يداخل قلب كلّ من يعمل الخير بدون أيّ مردود آخر له سوى الثقة بأنّه قام بما كان ينبغي له أن يفعل. أراهم في التعزيات الروحيّة الّتي أشعر بها أحيانًا في الصلاة. وأتذكّر أيضًا حين أفتقدهم، حين يحلّ القلق والحزن في مكان الفرح، حين أضطرب بدون سبب، أو لأقلّ الأسباب… وأسأل الله نعمة أن يتغلّب على صوت الكذب في نفسي، الّذي يجعلني أكره إنسانيّتي، وأن يبدّد الكذب بروح الحقّ المعزّي، لكي أفهم القصد الإلهيّ وأشارك في إتمامه بحسب موقعي.
للتأمّل: (لوقا ١٠: ٢٥-٣٧)
١. وإِذا أَحَدُ عُلماءِ الشَّريعَةِ قَد قامَ فقالَ لِيُحرِجَه: يا مُعَلِّم، ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟ فقالَ له: ماذا كُتِبَ في الشَّريعَة؟ كَيفَ تَقرأ؟ فأَجاب: أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وكُلِّ نَفسِكَ، وكُلِّ قُوَّتِكَ، وكُلِّ ذِهِنكَ وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ. فقالَ لَه: بِالصَّوابِ أَجَبْتَ. اِعمَلْ هذا تَحْيَ. فأَرادَ أَن يُزَكِّيَ نَفسَه فقالَ لِيَسوع: ومَن قَريبـي؟
٢. فأَجابَ يَسوع: كانَ رَجُلٌ نازِلاً مِن أُورَشَليم إِلى أَريحا، فوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص. فعَرَّوهُ وانهالوا علَيهِ بِالضَّرْب. ثمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت. فاتَّفَقَ أَنَّ كاهِناً كانَ نازِلاً في ذلكَ الطَّريق، فرآهُ فمَالَ عَنه ومَضى. وكَذلِكَ وصلَ لاوِيٌّ إِلى المَكان، فَرآهُ فمَالَ عَنهُ ومَضى.
٣. ووَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودَفَعهما إِلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: اِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي.
٤. فمَن كانَ في رأيِكَ، مِن هؤلاءِ الثَّلاثَة، قَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص؟ فقال: الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة. فقالَ لَه يَسوع: اِذْهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلك.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن نُشارك في إتمام قصد الله، كلّ واحد بحسب موقعه
أتوقّف على كلّ مقطع من المقاطع الأربعة وأفكّر في نفسي: ما الّذي يحرّك الأشخاص من الداخل؟ وأنا كيف كنتُ سأتصرّف؟ ما الّذي يحرّكني؟ أطلب من الربّ قائلاً: “أردُدْ لي سُرورَ خَلاصِكَ فيُؤَيِّدَني روحٌ كَريم” (مزمور ٥١: ١٤)
اليوم السابع: المذود
اليوم السابع: المذود
قال يسوع لتلاميذه: “طوبى لِلعُيونِ الَّتي تُبصِرُ ما أَنتُم تُبصِرون. فإِنَّي أَقولُ لَكم إِنَّ كثيراً مِنَ الأَنبِياءِ والمُلوكِ تَمنَّوا أَن يَرَوا ما أَنتُم تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما أَنتُم تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا.” (لوقا ١٠: ٢٣-٢٤).
يكشف لنا يسوع عن انتظار يسكن البشر، سواء عرفوه أم لم يعرفوه، انتظار مخلّص ينتزعهم من الأوهام ومن الظلمات. حين كانت الجموع تتحلّق حوله لسماع كلمته، كان يجذبها ذاك الانتظار. فكلماته، مع أنّها جديدة على مسامعهم، إلاّ أنّها كانت أيضًا مألوفة، وكأنّها تخاطبهم بحنين يسكن قلوبهم، ولا يعرفون كيف يعبّرون عنه. هو نفسه قال للجموع: “ما من أحد يستطيع أن يُقبلَ إليّ إلاّ إذا اجتذبه الآب الّذي أرسلني” (يوحنّا ٦: ٤٤). صوت الآب هو الصوت الّذي نعرفه ولا نعرفه، يسكن فينا، يحرّك شوقنا إلى عالمٍ ليس فيه عنف أو حزن أو خوف، ولكنّنا لا نجرؤ على أن نصدّقه. إنّما أتى يسوع إنسانًا يحمل الصوت أمام أعيننا وآذاننا، يُسمعنا ما اشتهينا أن نسمع، ويرهُن حياته على صوت الآب لعلّنا نصدّق أنّ هذا الصوت هو الحقيقة الأخيرة، هو غاية التاريخ، هو ما يبقى حين يزول كلّ شيء. ومع أنّنا نشتهي ما يقوله الآب فينا، وما نسمعه منه في يسوع، إلاّ أنّ خوفنا وحزننا ووهم السيطرة الّذي يسكننا وكلّ أشباحنا تحاملت على المسيح ليُصلب. وكان لنا في موته اكتمال صدقه، لأنّه راهن على صوت الآب حتّى الموت، وبقيامته كشف أنّ لا سبيل لإسكات كلمة الله.
انتظار يسكن البشريّة. الأنبياء والملوك وقبائل الأرض، بل كلّ ما يسكن الأرض والفلك يستمدّ معنى وجوده من ذاك الّذي يعطي الوجود. وشعب الله في العهد القديم يترقّب الربّ باسم الخليقة كلّها: “تَرَقُّبُ نَفْسي لِلرَّبِّ أشدُّ مِن تَرَقُّبِ الرُّقَباءِ لِلصُّبْح. لِيَكُنْ إِسْرائيلُ راجِيًا لِلرَّبِّ أَشَدَّ مِنَ الرُّقَباءِ لِلصّبْح.” (مزمور ١٣٠: ٦-٧). وشعب الله في العهد الجديد، الّذي عرف المسيح ونال باكورة الروح (روما ٨: ٢٣)، يُعلن المسيح غاية انتظار البشر، وينتظر مع الخليقة وباسمها اكتمال التدبير الإلهيّ.
يشبّه الرسول بولس انتظار الكنيسة وانتظار الخليقة بالمخاض: “فإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ الخَليقةَ جَمْعاءَ تَئِنُّ إِلى اليَومِ مِن آلامِ المَخاض، ولَيسَت وَحْدَها، بل نَحنُ الَّذينَ لَنا باكورةُ الرُّوحِ نَئِنُّ في البَاطِن مُنتظِرينَ التَّبَنِّي، أَيِ افتِداءَ أَجسادِنا، (…)
وكَذلِكَ فإِنَّ الرُّوحَ أَيضاً يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجب، ولكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بأَنَّاتٍ لا تُوصَف.” (روما ٨: ٢٢-٢٦).
أنظر إلى المذود الّذي يمثّل الخليقة كلّها الّتي تنتظر الخالق. فبفعل الروح إنّ الخليقة حُبلى بابن الله وتتمخّض بانتظار تجلّيه. من وراء المذود أنظر إلى المغارة ومن فيها: الحجارة والنبات، والحيوانات، والأشخاص. بل أنظر إلى أبعد، إلى بيت لحم واليهوديّة، والشرق الأوسط بما فيه من دمار وخراب، وعائلات تلتئم، بعضها في الدفء وبعضها في البرد والجوع. وأنظر إلى أبعد، فأرى كوكبنا بجماله وقساوته، عليه شعوب تحرّكها الأفراح والأحزان، المخاوف والرجاء… شعوبٌ مختلفة الأعراق والألوان والمذاهب والعادات، بعضها في سلم وبعضها في حرب، تعاني الأوبئة والمخاطر، وتبني البيوت والأبراج. ليس منهم واحدٌ أو واحدة يستثنيها حبّ الربّ، وليس منهم واحد ولا واحدة لا يسكنها انتظار الربّ، بعلمهم أو بغير علمهم… وأتخيّل أنّ الله أيضًا ينظر إلى الأرض. كما قال لموسى: “رأيت مذلّة شعبي، سمعتُ صراخه، علمتُ بشقائه وأتيتُ لأخلّصه. فالآن اذهب: أنا أرسلك إلى فرعون…” (خروج ٣: ٧-٨). هكذا أتخيّل الله يقول: هوذا العالم يحتاج إلى فداء، صراخه يحرّك أحشائي، انتظاره يطلب مجيئي، وأنا الإله الّذي يأتي، ولا ينفكّ يأتي، ليحلّ الخلاص. وينظر الله إلى الكون، إلى الأرض وما فيها، إلى اليهوديّة، إلى بيت لحم، إلى المذود، ليكون الإله الّذي يأتي، ولا ينفكّ يأتي.
وأنت الّذي تنظر إلى المذود وتفهم، طوبى لعينيك لأنّهما تريان أبعد من المنظور. طوبى لأذنيك لأنّهما تسمعان ما يقوله الله: “رأيتُ، سمعتُ، علمتُ، أتيتُ لأنّ أحشائي تحرّكت”. طوبى لقلبك إن قلتَ: “هاءنذا، فأرسلني” (أشعيا ٦: ٨).
للتأمّل: (لوقا ٩: ٢٨-٣٦)
١. وبَعدَ هذا الكَلامِ بِنَحوِ ثَمانِيَةِ أَيَّام، مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي. وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم.
٢. وكان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه والرَّجُلَينِ القائميَنِ مَعَه، حتَّى إِذا هَمَّا بِالانصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا ! ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول.
٣. وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا. وبَينما الصَّوتُ يَنطَلِق، بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ، فالتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحداً في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن نشعر بانتظار البشريّة لمجيء المخلّص وأن نفهم هويّة يسوع ورسالته وأن نشاركه فيهما
أتوقّف على كلّ مقطع من المقاطع الثلاثة. أتخيّل الأشخاص وما يسكن في قلوبهم. ثمّ أكلّم الربّ بما أشعر به.
اليوم الثامن: يسوع
اليوم الثامن: يسوع
قال يسوع لتلاميذه وللجموع: “مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. لِأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارَة فإِنَّه يُخَلِّصُها. فماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفْسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بدلاً لِنَفسِه؟” (مرقس ٨: ٣٤-٣٧).
لو كان ليسوع مدير علاقات عامّة لاستقال فورًا بعد هذه “التغريدة”. مَن ذا الّذي يدعو الناس إلى اتّباعه بالزهد في النفس وحمل الصليب؟ مَن يجرؤ على مخاطبة الناس بهذه الطريقة؟ مَن هو الّذي يقول الحقّ بلا مواربة؟ فكلّ من يعدني بأنّي أحافظ على حياتي لا يقول الحقّ، لأنّ حياتنا تنساب من بين أيدينا ولا نستطيع الإمساك بها. الطريقة الوحيدة لحفظ الحياة هي في بذلها. كلمات يسوع متطلّبة وعسيرة، وربّما لذلك انقطع عن اتّباعه كثيرون (يوحنّا ٦: ٦٦). ومع ذلك فإنّ تلك الكلمات تُلهب قلوبنا لأنّها في نهاية الامر واقع: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟
أنا ما زلتُ في طور أن أصير إنسانًا. عبر السنين، عرفت خيبات أمل كثيرة. في كلّ مرّة لم يخضع الواقع لإرادتي، تدرّجتُ على قبول الواقع، لأنّ لا مفرّ لي من ذلك. ولكنّي سرّيًّا كنتُ ألقي خيبة أملي في داخل قلبي. قبول الواقع صاغرًا لا يجعلني متصالحًا معه. وشيئًا فشيئًا تجمّعت في داخلي خيبات الأمل الّتي رميتها في داخلي فصارت مثل مستنقع أسود يُخيفني، فأرفض أن أنظر إليه. في عمقه، يقوم هذا المستنقع على أنّي أرفض أن أكون غير مكتمل، أن أكون خليقة، أن أكون في طور التكوين. فهو في عمقه كرهٌ لإنسانيّتي. ويظهر بالمرارة الّتي أتذوّقها حين أختبر الفشل أو الحزن أو خيبة الأمل. هذه المرارة الّتي أستطعمها حين أغضب، وحين أرغب في الموت، وحين أكتئب. ولا يمكن لهذا المستنقع أن يجفّ إلاّ بقدر ما أتصالح مع واقعي. لا بقوّة الإرادة، الّتي تقمع الحزن ولا تشفيه، بل باكتشاف أنّ الواقع يستحقّ أن يُعاش لأنّه يحمل وعدًا.
هذا الّذي أهرب منه، يسوع يواجهه. هو نفسه عرف مثل كلّ إنسان مستنقع خيبة الأمل والحزن. ولكنّه تصالح مع واقعه لأنّه يعرف قلب الآب. وعلّمنا ألاّ نهرب من موتنا بالأوهام، ولا بواقعيّة تشبه اليأس، بل بمواجهة عدمنا، متسلّحين بالثقة بأنّ الآب أعظم من عدمنا.
حين أنظر إلى الطفل الموضوع في مذود، أرى الرجل المعلّق على الصليب. هذا الإنسان الّذي كان حقًّا إنسانًا حتّى وقع عليه كرهنا لإنسانيّتنا، فأردنا موته، مع أنّنا لا نريد غيره لنا قائدًا. حين أنظر إلى الطفل يسوع، أرى رغبة الله في أن يكلّمنا، ولأنّ الكلمات لا تكفي، صارت كلمته إنسانًا، وحياة هذا الإنسان تُخبرنا عن الله أكثر من كتب العالم كلّها. لأنّ الكتب تُخبر عن بُعد، أمّا الإنسان الّذي يراهن على الله ويواجه عدمه، لا يكشف لنا عن الله فحسب، بل يصنع لنا طريقًا إليه. أمامه أستطيع أن أكون من أنا، لأنّه لا يحكم عليّ ولا يرفضني، بل يدعوني أخًا ويرى فيّ ما هو أبعد ممّا يُرى، فيكشف لي عن كرامة لم أكن أدرِ بها، تنهار إلى جانبها سخرية الساخرين، وتنمّر المتنمّرين، وظلم الظالمين. يعديني رغبة في وجودي، لأنّه أراد وجودي حتّى التجسّد، حتّى الفداء.
للتأمّل: (يوحنّا ٨: ٢-١١)
١. وعادَ عِندَ الفَجرِ إِلى الهَيكلَ، فأَقبَلَ إِلَيهِ الشَّعبُ كُلُّه. فجلَسَ وجَعلَ يُعَلِّمُهم.
٢. فأَتاهُ الكَتَبةُ والفِرِّيسيُّونَ بِامرَأَةٍ أُخِذَت في زنًى. فأَقاموها في وسَطِ الحَلقَةِ وقالوا له: “يا مُعَلِّم، إِنَّ هذِه المَرأَةَ أُخِذَت في الزِّنى المَشْهود. وقد أَوصانا مُوسى في الشَّريعةِ بِرَجْمِ أَمثالِها، فأَنتَ ماذا تقول؟” وإِنَّما قالوا ذلكَ لِيُحرِجوهُ فيَجِدوا ما يَشْكونَه بِه.
٣. فانحنَى يسوعُ يَخُطُّ بِإِصبَعِه في الأَرض. فلَمَّا أَلحُّوا علَيه في السُّؤال اِنتَصَبَ وقالَ لَهم: “مَن كانَ مِنكُم بلا خَطيئة، فلْيَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرميها بِحَجَر!” ثُمَّ انحَنى ثانِيةً يَخُطُّ في الأَرض.
٤. فلَمَّا سَمِعوا هذا الكَلام، انصَرَفوا واحِداً بَعدَ واحِد يَتَقدَّمُهم كِبارُهم سِناًّ. وبَقِيَ يسوعُ وَحده والمَرأَةُ في وَسَطِ الحَلْقَة.
٥. فانتَصَبَ يسوعُ وقالَ لَها: أَينَ هُم، أَيَّتُها المَرأَة؟ أَلَم يَحكُمْ عَليكِ أحَد؟ فقالت: “لا، يا ربّ.” فقالَ لها يسوع: “وأَنا لا أَحكُمُ علَيكِ. إِذهَبي ولا تَعودي بَعدَ الآنَ إِلى الخَطيئة”.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي المصالحة مع ذواتنا، ومع الزمن الّذي نحتاج إليه لتكتمل إنسانيّتنا
أتوقّف على كلّ مقطع من المقاطع الخمسة: ما الّذي أفهمه؟ ما الّذي أشعر به؟ أتنبّه إلى الكلمات، وأحاول أن أفهم ما يدور في قلب الشخصيّات: المرأة، الفرّيسيّين، حاملي الحجارة، يسوع، الحاضرين… وأنتبه إلى التشابه مع شعوري في مختلف ظروف حياتي.
اليوم التاسع: قصّة لم تنتهِ بعد
اليوم التاسع: قصّة لم تنتهِ بعد
ما أحبّه في تقاليد عيد الميلاد هو أنّ قصّة ولادة يسوع ولّدت قصصًا كثيرة تتناقلها الأجيال تستوحي القصّة الأصليّة أو تُضيف عليها ما يأتي من نسج الخيال. مثل قصّة بائعة الكبريت، أو رواية المجوس الرابع، أو قصّة سكروج البخيل، وغيرها الكثير. قصص تروي هشاشة الإنسان وشوقه إلى عالم جديد، يشبه طفل المغارة. ذلك أنّ قصّة الميلاد نفسها تعبر في قصص مختلفة: قصّة زكريّا الكاهن الحزين وامرأته أليصابات الّتي حبسها العالم في عقمها. قصّة يوسف البارّ الّذي يخشى أن يأخذ امرأته لئلاّ يوبّخه ضميره. قصّة هيرودس العنيف الّذي يكرّر مأساة ملوك إسرائيل. حتّى إنّ الإنجيل يورد نسب يسوع ليذكّر القارئ بقصص أخرى، مثل جريمة داود، وفاجعة السبي إلى بابل، وغيرها. قصّة الميلاد تعبر في قصص كثيرة وتولّد قصصًا كثيرة، لتقودها إلى معنىً وقيمةً ومصالحة تتوق إليها. وها هي القصّة تعبر في قصّة حياتنا. نحن أيضًا في قصّتنا توق وشوق يحتاجان إلى الفرح.
ننظر إلى عالمنا، نراه غارقًا في انشغالاته، خائفًا من هشاشته، سجين طموحاته. نرى فيه أبطالاً يراهنون على الإنسانيّة بالرغم من كلّ شيء. نرى أيضًا أسيادًا يتقاسمون النفوذ. نرى فقراء ينتظرون الفرج. نرى أحبّاء يمنعهم الوباء من رؤية أحبّائهم. نرى عائلات معرّضة للانقسام. نرى آباء وأمّهات يسعون من أجل أولادهم. نرى شبّانًا يخوضون المخاطر لأجل تأمين مستقبل. نرى بريق الطموح عند البعض ومرارة الخيبة عند البعض. قصّة الميلاد لا تستثني أحدًا ولا تُقصي أحدًا. كلّ ما تريد هو أن تذكّر العالم بأنّ قبول مولود جديد يستحقّ العناء. بأنّ عالـمــًا لا مكان فيه لطفل هو عالم فقد روحه. بأنّ المعاناة يمكنها أن تزيد العالم وحشيّة، كما أنّ بإمكانها أن تزيده إنسانيّة، والأمر يتوقّف على كلّ واحد منّا.
الوباء قد يحطّم علاقاتنا، أو قد يحفّز تضامننا. العنف قد يقودنا إلى تراشق التهم أو إلى بحث جدّيّ عن وسائل التفاهم. العالم وُضع بين أيدينا لنجعله أفضل، وقصّة الميلاد تعطينا معيارًا خاصًّا: قبول الطفل. حيث يجد الطفل مكانًا، وحماية، وقبولاً، يجد العالم رجاء خلاصه. لكي نستعدّ لعيد الميلاد، فلنحسن قبول الأطفال.
للتأمّل: المغارة
١. وفي تِلكَ الأَيَّام، صدَرَ أَمرٌ عنِ القَيصَرِ أَوغُسطُس بِإِحْصاءِ جَميعِ أَهلِ الـمَعمور، فذَهبَ جَميعُ النَّاسِ لِيَكَتتِبَ كلُّ واحِدٍ في مَدينتِه. وصَعِدَ يوسُفُ أَيضاً مِن الجَليل مِن مَدينَةِ النَّاصِرة إِلى اليَهودِيَّةِ إِلى مَدينَةِ داودَ الَّتي يُقالُ لَها بَيتَ لَحم، فقَد كانَ مِن بَيتِ داودَ وعَشيرتِه، لِيَكتَتِبَ هو ومَريمُ خَطيبَتُه وكانَت حَامِلاً. وبَينَما هما فيها حانَ وَقتُ وِلادَتِها، فولَدَتِ ابنَها البِكَر، فَقَمَّطَتهُ وأَضجَعَتهُ في مِذوَدٍ لأَنَّهُ لم يَكُنْ لَهُما مَوضِعٌ في الـمَضافة.
٢. وكانَ في تِلكَ النَّاحِيَةِ رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم. فحَضَرَهم مَلاكُ الرَّبِّ وأَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم، فخافوا خَوفاً شَديداً. فقالَ لَهمُ الـمَلاك: “لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ. وإِلَيكُم هذِهِ العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطاً مُضجَعاً في مِذوَد”. وانضَمَّ إِلى الـمَلاكِ بَغَتةً جُمهورُ الجُندِ السَّماوِيِّينَ يُسَبِّحونَ الله فيَقولون: “الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه!” فَلَمَّا انصَرَفَ الـمَلائِكَةُ عَنهُم إِلى السَّماءِ، قالَ الرُّعاةُ بَعضُهُم لِبَعض: “هَلُمَّ بِنا إِلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الَّذي أَخبَرَنا بِه الرَّبّ.” وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفلَ مُضجَعاً في الـمِذوَد. ولَـمَّا رَأَوا ذلكَ جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذلك الطِّفْل. فَجَميعُ الَّذين سَمِعوا الرُّعاةَ تَعَجَّبوا مِمَّا قالوا لَهم وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها. ورَجَعَ الرُّعاةُ وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم.
٣. ولـمّا وُلِدَ يسوعُ في بَيتَ لَحمِ اليهودِيَّة، في أيَّامِ المَلِكِ هيرودُس، إِذا مَجوسٌ قدِمُوا أُورَشليمَ مِنَ المَشرِقِ وقالوا: “أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟ فقَد رأَينا نَجمَه في المَشرِق، فجِئْنا لِنَسجُدَ لَه.” فلمَّا بلَغَ الخَبَرُ المَلِكَ هيرودُس، اِضْطَرَبَ واضطَرَبَت مَعه أُورَشليمُ كُلُّها.4فَجَمَعَ عُظَماءَ الكَهَنَةِ وكَتَبَةَ الشَّعْبِ كُلَّهم واستَخْبَرهم أَين يُولَدُ المسيح. فقالوا له: في بَيتَ لَحمِ اليَهودِيَّة”. فدَعا هيرودُسُ الَمجوسَ سِرّاً وتَحقَّقَ مِنْهم في أَيِّ وَقْتٍ ظهَرَ النَّجْم. ثُمَّ أَرْسَلَهم إِلى بَيتَ لَحمَ وقال: “اِذْهَبوا فابحَثوا عنِ الطِّفْلِ بَحْثاً دَقيقاً، فإِذا وَجَدْتُموه فأَخبِروني لأذهَبَ أَنا أَيضاً وأَسجُدَ له.” فلمَّا سَمِعوا كَلامَ الَمِلكِ ذَهَبوا. وإِذا الَّنجْمُ الَّذي رأَوهُ في المَشرِقِ يَتَقَدَّمُهم حتَّى بَلَغَ المَكانَ الَّذي فيه الطِّفلُ فوَقفَ فَوقَه. فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحاً عَظيماً جِدّاً. وَدخَلوا الَبيتَ فرأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه مَريم. فجَثَوا له ساجِدين، ثُمَّ فتَحوا حَقائِبَهم وأَهْدَوا إِليه ذَهباً وبَخوراً ومُرّاً. ثُمَّ أُوحِيَ إِليهِم في الحُلمِ أَلاَّ يَرجِعوا إِلى هيرودُس، فانصَرَفوا في طَريقٍ آخَرَ إِلى بِلادِهم.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن يُعدّنا الروح القدس لعيد الميلاد كما أعدّ مريم ويوسف والرعاة والمجوس
أنظر إلى شخصيّات المغارة: الثور والحمار، الرعاة، المجوس، يوسف ومريم، الطفل يسوع، وأتوقّف حيث أجد رغبة.
اليوم الأوّل: الحمار والثور
اليوم الأوّل: الحمار والثور
في أحد الأيّام طرح يسوع على تلاميذه سؤالاً: “ابن الانسان حين يأتي أيجد على الارض ايماناً؟” (لوقا ١٨: ٨).
ليس السؤال سهلاً ولا إجابته بديهيّة. لا ينتظر يسوع من تلاميذه أن يقولوا “نعم” أو “أنت أدرى”. هذا النوع من الأسئلة لا يطلب جوابًا جاهزًا. هناك اسئلة يسألها يسوع لا لكي يعرف جوابها ولكن لكي نصير نحن الجواب. عندما يوجّه المسيح هذا السؤال: أيجد ايماناً على الارض؟ إنّما هو يوجّهه لي شخصياً، انا السامع: أيّ موقف أنا مستعدّ أن أتّخذ عند مجيئه ؟ أنا الذي أقرّر ما الّذي سأفعله بحياتي: هل حياتي تُجيب او لا تُجيب على مجيء ابن الانسان.
سؤال يسوع هو قلب عيد الميلاد. نتساءل أحيانًا: كيف نُعيّد وقلوبنا حزينة؟ كيف نعيّد في زمن الوباء؟ كيف نعيّد ونحن في قلب المأساة؟ وننسى أنّ الميلاد الأوّل كان مأساة! مأساة عائلة لاجئة لا تجد لها مكانًا، مأساة طفل غير مرغوب فيه، موضوع في مذود، مأساة شعب يحكمه ملك مستعدّ أن يقتل أطفال شعبه خوفًا على مُلكه. الميلاد الأول هو مأساة. لهذا السبب عندما يخبرنا الانجيل قصة الميلاد يطرح علينا السؤال: عندما يأتي ابن الانسان هل نستطيع أن نستقبله ام ستكون إعادة لهذه المأساة؟ “ابن الانسان حين يأتي أيجد على الارض ايماناً؟”
من يستطيع أن يعرف المسيح حين يأتي؟ من الذي سيعرف أن يستقبله؟
حين أجلس أمام المغارة، أرى الوجوه الّتي رآها الطفل المولود، وجوه أولئك الّذين جمعهم انتظارهم فاستقبلوا المولود الجديد. منهم أحاول أن أتعلّم كيف أنتظر، وكيف أستقبل.
أرى الثور والحمار. لماذا يا ترى نضع ثورًا وحمارًا في المغارة؟ ربّما لنؤكّد أنّ المكان الّذي وُلد فيه المسيح كان مربضًا للحيوانات. ولكن درج الجميع على وضع ثور وحمار وكأنّهما شخصيّتان تنتميان إلى القصّة. لا يذكر الإنجيل أيًّا منهما في رواية الميلاد، غير أنّهما مذكورين في موضع آخر، في بداية نبوءة أشعيا: “عَرَفَ الثورُ مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه لكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ.” (أشعيا ١: ٣). نضع الثور والحمار بين أشخاص المغارة لكي نتذكّر أنّنا معرّضون أن نغفل عن إلهنا، ألاّ ننتبه إلى حضوره.
لماذا غفلت بيت لحم عن سيّدها؟ لمَ لمْ يكن للطفل مكانٌ في المدينة؟ انشغلت بيت لحم بخدمة زبائنها، ولم تعرف زمن افتقادها. “جاء إلى بيته، فما قبله أهل بيته” (يوحنّا ١: ١١). الغفلة مأساتنا. ربّما كان هيرودس عنيفًا، ولكنّ عنفه ما كان ليقضي على أطفال بيت لحم لو لم يكن الملك، وما كان ليكون الملك لولا غفلة الناس عن عنفه. وأسوأ ما في الغفلة أنّها تظنّ نفسها بريئة. كم منّا مطمئنّ لنفسه أنّه لا يضمر الشرّ لأحد ولا يرتكب العنف إلاّ إن استُفزّ… أمّا الغفلة فنعذرها. فتصير هي مأساتنا.
يجوز أنّ بيت لحم لم تعرف ربّها لأنّه لم يأتِ كما تصوّرته. لم يخضع لمعاييرها، لتصوّراتها، لأفكارها. “أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمكِنُ أَن يَخرُجَ شَيٌ صالِح؟” (يوحنّا ١: ٤٦). “إِبْحَثْ تَرَ أَنَّه لا يَقومُ مِنَ الجَليلِ نَبِيّ” (يوحنّا ٧: ٥٢). طوال حياته سيبقى يسوع غير مفهوم. حين دخل مدينته الناصرة بعد أن تعمّد على يد يوحنّا، لم يقبله أهل بيته، لأنّهم قالوا: “أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان ؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا ؟”، وكان لهم حجر عثرة (مرقس ٦: ٣). هكذا نظنّ أنّنا نعرف الناس، فنغفل عن حقيقتهم، ونغفل عن ربّنا. لكي لا تتكرّر مأساة الميلاد الأوّل، لن أحكم على أيّ إنسان، ولا على نفسي، بأنّه معروف سلفًا.
“عَرَفَ الثورُ مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه لكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ.” (أشعيا ١: ٣). هكذا تبدأ نبوءة أشعيا. الكتاب المقدّس كلّه يشهد بأنّ إلهنا غير مفهوم. أو بالأحرى بأنّ قلوبنا أغلظ من أن تفهمه. “فإِنَّ أَفكاري لَيسَت أَفْكارَكم ولا طرقُكم طُرُقي، يَقولُ الرَّبّ. كما تَعْلو السَّمواتُ عنِ الأَرض كذلك طُرُقي تَعْلو عن طُرُقِكم وأَفْكاري عن أَفْكارِكم” (أشعيا ٥٥: ٨-٩). ولكنّ غلاظة القلب ليست محتّمة. لأنّ الله يفتح قلوبنا على معرفته، إن رغبنا في ذلك ولم نقاوم عمله.
“الحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح.” (يوحنّا ١٧: ٣). معرفة الربّ هي أثمن ما في الوجود. لأنّها تحقّق فينا المصالحة، فلا يعود فينا من عنف وغفلة ولامبالاة. “لا يُسيئونَ ولا يُفسِدون في كُلِّ جَبَلِ قُدْسي لِأَنَّ الأَرض تَمتَلِئُ مِن مَعرِفَةِ الرَّبّ كما تَغمُرُ المِياهُ البَحر.” (أشعيا ١١: ٩). بل معرفة الربّ الّتي تقود إلى الحبّ الصحيح هي العبادة بالروح والحقّ الّتي يريدها الربّ. لهذا يقول النبيّ هوشع: “إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة مَعرِفَةَ اللهِ أَكثَرَ مِنَ الـمـُحرَقات.” (هوشع ٦: ٦).
جُعل الحمار والثور في المغارة لإخجالنا، لكي نسأل أنفسنا: “ابن الانسان حين يأتي أيجد على الارض ايماناً؟” ولكي نجعل من حياتنا جوابًا.
للتأمّل: شفاء الأعمى منذ مولده (يوحنّا ٩)
١. وبَينَما هو سائِرٌ رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ مَولِدِه. فسأَلَه تَلاميذُه: «رابِّي، مَن خَطِئَ، أَهٰذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أَعْمى؟». أَجابَ يسوع: «لا هٰذا خَطِئَ ولا والِداه، ولٰكِن كانَ ذٰلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله. يَجِبُ علَينا، ما دامَ النَّهار، أَن نَعمَلَ أَعمالَ الَّذي أَرسَلَني. فاللَّيلُ آتٍ، وفيه لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَعمَل. ما دُمتُ في العالَم، فأَنا نورُ العالَم». قالَ هٰذا وتَفَلَ في الأَرض، فجَبَلَ مِن تُفالِه طينًا، وطَلى بِه عَينَي الأَعْمى، ثُمَّ قالَ له: «إِذهَبْ فَٱغتَسِلْ في بِركَةِ سِلوامَ»، أَي الرَّسول. فذَهَبَ فٱغتَسَلَ فَعادَ بَصيرًا.
٢. فقالَ الجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرونَه مِن قَبلُ، لأَنَّه كانَ شحَّاذًا: «أَلَيسَ هو ذاكَ الَّذي كانَ يَقعُدُ فيَستَعْطي؟» وقالَ آخَرون: «إِنَّه هو». وقالَ غَيرُهم: «لا، بل يُشبِهُه». أَمَّا هوَ فكانَ يقول: «أَنا هو». فقالوا له: «فكَيفَ ٱنفَتَحَت عَيناكَ؟» فأَجابَ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذي يُقالُ لَه يسوع جَبَلَ طينًا فطَلى بِه عَينَيَّ وقالَ لي: «إِذهَبْ إِلى سِلوامَ فٱغتَسِل. فذَهَبتُ فَٱغتَسَلتُ فَأَبصَرتُ». فقالوا له: «أَينَ هو؟» قال: «لا أَعلَم.»
٣. فَذَهبوا إِلى الفِرِّيسيِّينَ بِذاكَ الَّذي كانَ مِن قَبْلُ أَعْمى. وكانَ اليَومُ الَّذي فيه جَبَلَ يسوعُ طينًا وفَتحَ عَينَيِ الأَعمى يَومَ سَبْت. فسأَلَه الفِرِّيسيُّونَ أَيضًا كَيفَ أَبصَر. فقالَ لَهم: «جَعَلَ طينًا على عَينَيَّ ثُمَّ ٱغتَسَلتُ وها إِنِّي أُبصِر». فقالَ بَعضُ الفِرِّيسِيِّين: «لَيسَ هٰذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لأَنَّه لا يَحفَظُ شَريعةَ السَّبْت». وقالَ آخَرون: «كَيفَ يَستَطيعُ خاطِئٌ أَن يَأتيَ بِمِثلِ هٰذهِ الآيات؟» فوَقَعَ الخِلافُ بَينَهم. فقالوا أَيضًا لِلأَعمى: «وأَنتَ ماذا تَقولُ فيه وقَد فَتَحَ عَينَيكَ؟» قال: «إِنَّهُ نَبِيّ.» (…) أَجابوه: «أَتُعلِّمُنا أَنتَ وقد وُلِدتَ كُلُّكَ في الخَطايا؟» ثمَّ طَردوه.
٤. فَسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه، فلَقِيَه وقالَ له: «أَتُؤمِنُ أَنتَ بِٱبنِ الإِنسان؟» أَجاب: «ومَن هو، يا ربّ، فأُومِنَ به؟» قالَ له يسوع: «قد رَأَيتَه، هو الَّذي يُكَلِّمُكَ». فقال: «آمنتُ، يا ربّ» وسَجَدَ له. فقالَ يسوع: «إِنِّي جِئتُ هٰذا العالَمَ لإِصدارِ حُكْمٍ: أَن يُبصِرَ الَّذينَ لا يُبصِرون، ويَعْمى الَّذينَ يُبصِرون».
٥. فسَمِعَه بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ الَّذينَ كانوا معَه فقالوا له: «أَفنَحنُ أَيضًا عُمْيان؟» قالَ لَهم يسوع: «لو كُنتُم عُمْيانًا لَما كانَ علَيكُم خَطيئة. ولٰكِنَّكُم تَقولونَ الآن: إِنَّنا نُبصِر، فخَطيئَتُكُم ثابِتَة».
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن يفتح الربّ أعيننا لنرى عمله وحضوره في حياتنا
١. عند قراءة المقطع الأوّل: أرى كيف ينظر تلاميذ يسوع إلى الأعمى منذ مولده وكيف ينظر إليه يسوع. هم يرَون لعنة أصابته ويتساءلون عن المذنب. هو يرى بركة خفيّة، يرى عمل الله الّذي سيظهر في قلب الظلمة. أرى يسوع يجبل الطين من التراب، كما جبل الله الطين في بدء الخليقة ليصنع الإنسان. أرى الأعمى يغتسل في بركة الرسول فيعود بصيرًا.
٢. عند قراءة المقطع الثاني: أرى الناس منقسمين بشأن الأعمى: بعضهم يقولون “هو” وآخرون “ليس هو”. اعتادوا على أن يعرفوه أعمى ولم يروا فيه سوى الأعمى. أمّا هو فليس منقسمًا، بل يقول: “أنا هو”.
٣. عند قراءة المقطع الثالث: أرى الناس مقسمين بشأن يسوع: بعضهم يقول إنّه من الله لأنّه فتح عيني الأعمى، وبعضهم يقول ليس من الله لأنّه لا يحترم السبت. أمّا الأعمى فيقول: إنّه نبيّ ويدفع ثمن قوله.
٤. عند قراءة المقطع الرابع: مع أنّ الإيمان بيسوع مكلف، الأعمى يسجد له، لأنّ معرفة يسوع أثمن له من أيّ شيء آخر. فهو لا يبصر بعينيه فقط بل بقلبه. أمّا الّذين ليسوا عميانًا فيظهرون على أنّهم هم العميان.
٥. عند قراءة المقطع الخامس: أفكّر في كلام يسوع. أيّ تحضير لعيد الميلاد يولّد فيّ؟
اليوم الثاني: الرعاة
اليوم الثاني: الرعاة
أتى تلاميذ يسوع يومًا يخبرون معلّمهم بما تجري على أيديهم من معجزات بفضل القدرة الّتي شاركهم بها، وهي القدرة على أن يتكلّموا باسم الآب ويعلنوا مجده. فقالوا له: “حتّى الشياطين تخضع لنا باسمك”. أمّا هو فأجاب: “لا تَفرَحوا بِأَنَّ الأَرواحَ تَخضَعُ لَكُم، بلِ افرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّموات” (لوقا ١٠: ١٧-٢٠).
ليس كلّ فرح معدًّا لأن يدوم. إن كان فرحُنا قائمًا على أساس ثابت، يقدر أن يجتاز امتحان الصعوبة. إن فرحنا للأسباب الصحيحة يدوم فرحنا. أمّا إن فرحنا لأنّ الظروف توافقنا، أو لأنّنا اختبرنا نجاحًا وما إلى ذلك، ففرحنا معرّض لأن يضيع.
“افرحوا” يقول القدّيس بولس إلى أهل فيليبي (٤: ٤)، ولكنّ الفرح لا يُؤمرُ به مثل “أكرم أباك وأمّك” أو “قدّس يوم الربّ” أو “لا تقتل”. فمن يستطيع أن يفرح “على الطلب” أو باسم الطاعة؟ الفرح هو موضوع اكتشاف. ما يعطينا الفرح هو الثقة بأنّ حياتنا تستحقّ أن تُعاش. “أسماؤكم مكتوبة في السَّموات”.
في المغارة مشهد محيّر: رعيان قَدِموا من نواحي بيت لحم ليروا الطفل، لأنّ ملاكًا أعلن لهم عن ولادته. على وجوههم فرح ودهشة. أتوا ورأوا، ثمّ ذهبوا… عادوا إلى قطعانهم وبيوتهم وهمومهم. ما الّذي تغيّر في ظروفهم؟ ولا بعد ثلاثين سنة لن يظهر لهم معنى ما شاهدوه في تلك الليلة. فما هذا الفرح على وجوههم؟ هل يمكن للإنسان أن يفرح لا لشيء سوى لمجد الله؟
فَرِح الرعاة لأنّهم رأوا العلامة الّتي أعطاهم إيّاها الملاك: “طفل مقمّط مُضجعٌ في مذود”. هلّا توقّفنا قليلاً أمام هذه العلامة؟ بماذا هي علامة؟ المذود هو حيث يجب ألاّ يكون الطفل. طفل في مذود يشبه شمعة متّقدة وموضوعة في خارج البيت، حيث تعصف الرياح. يجب على الشمعة أن تنطفئ، ولكنّها لا تنطفئ، وهيذي العلامة! ” القَصَبَةُ المَرْضوضةُ لن يَكسِرَها والفَتيلةُ الـمُدَخِّنَةُ لن يُطفِئَها” (أشعيا ٤٢: ٣) هكذا يصف أشعيا المخلّص. وأمّا الرعاة فعلامة الملاك لهم بخصوص المخلّص أنّه طفل في مذود. معرّض لكلّ الأمراض. هشّ مثل هشاشة حياتهم. لكنّه سيحيا، بل وسيكون مخلّص شعبه. حياتي الهشّة ليس محكوم عليها بالهباء، أو بالعبث. قصّتي الصغيرة ليست خالية من المعنى. لأنّها تشبه ولادة المخلّص. لعلّ هذا هو فرح الرعيان. لم تتغيّر ظروفهم، ولكنّهم عرفوا أنّ حياتهم لها قيمة.
للتأمّل:
١. وفي تلكَ الأَيَّام قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجاً في بَطْني فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ.
٢. فقالَت مَريَم: “تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي وتَبتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِليَّ أُموراً عَظيمة. قُدُّوسٌ اسمُه، ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ لِلذَّينَ يَتَقّونَه. كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه فشَتَّتَ الـمُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم. حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش ورفَعَ الوُضَعاء. أَشَبعَ الجِياعَ مِنَ الخَيرات والأَغنِياء صرَفَهم فارِغين. نصَرَ عَبدَه إسرائيل ذاكِراً، كما قالَ لآبائِنا، رَحمَتَه لإِبراهيمَ ونَسْلِه لِلأَبد.” وأَقَامَت مَريمُ عِندَ أَليصاباتَ نَحوَ ثَلاثَةِ أَشهُر، ثُمَّ عادَت إِلى بَيتِها.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن يفتح الربّ قلوبنا على الفرح الّذي يكشف لنا عنه
اليوم الثالث: المجوس
اليوم الثالث: المجوس
في أحد الأيّام قالَ يسوع لِلجُموع: “إِذا رَأَيتُم غَمامَةً تَرتَفِعُ في المَغرِب، قُلتُم مِن وَقتِكم: سَيَنزِلُ المَطَر، فيكونُ كَذلك. وإِذا هَبَّتِ الجَنوب قُلتُم: سيَكونُ الجَوُّ حارّاً، فيَكونُ ذلك. أَيُّها المراؤون، تُحسِنونَ تَفَهُّمَ مَنظَرِ الأَرضِ والسَّماء، فكَيفَ لا تُحسِنونَ تَفَهُّمَ الوَقْتِ الحاضِر؟ ولِمَ لا تَحكُمونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكم؟” (لوقا ١٢: ٥٤-٥٧).
تفهّم الوقت الحاضر… هذه هي النعمة الّتي نطلبها اليوم. كشف لنا الوباء عن هشاشة مجتمعاتنا وأوطاننا وأنظمتنا. بل انكشفت أيضًا هشاشة مؤسّساتنا أمام الفساد والطمع، وأمام الغباء، غباء من يظنّ أنّ الفرح يُمتلك امتلاكًا. وإنّما يحدث هذا “لتنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة” (لوقا ٢: ٣٥)، كما قال سمعان الشيخ لمريم ويوسف بخصوص المولود الجديد. فمِنَ الناس من يرى ويشعر ويفهم أنّ العالم يتغيّر، وأنّ أنظمتنا القديمة قد وصلت إلى إفلاسها، وأنّ الزمن الحاضر هو زمن التضامن، لأنّ الظلم الصارخ بحقّ الفقراء كشف النقاب عن العنف المتخفّي في حضاراتنا. ومن الناس من يسعى جاهدًا للحفاظ على القديم، لأنّ قلبه تعلّق فيه. ومن الناس من يُمعن استهلاكًا للأرض واستغلالاً للناس بغير اعتبار لما يحدث. نعيش في زمن تحوّل عميق، ونطلب أن نفهم هذا التحوّل وأن نُؤَنْسِنَه لكي يزداد عالمنا أخوّة بدلًا من أن يزداد وحشيّة.
ملوك المجوس أتَوا من بعيد ليسجدوا للملك المولود. تدرّبوا على تفهّم منظر الأرض والسماء، وانتبهوا إلى الجديد الّذي يظهر. تركوا مكان راحتهم وانطلقوا إلى الغربة، لا لشيء إلاّ ليؤدّوا التحيّة إلى ملك لا يزال مُقمّطًا، إلاّ أنّه يحمل رجاء ملكوت جديد. ملوك رعاة، يعرفون هموم الرعيّة ويفهمون أنّ أنظمة الحكم كلّها لا تؤدّي العدل كما ينبغي. رجاؤهم أنّ ملكًا جديدًا أنبأت به النجوم سيكشف ظلم العالم ويعد بعدالة السماء. العالم القديم يزول، وها إنّ عالـمـًا جديدًا يظهر.
رأى المجوس نجم الملك الجديد في السماء، فتبعوه. كان لهم الملاك المرشد فتبعوه. غير أنّ النجم اختفى، ولا ندري لماذا اختفى. لماذا نشعر أحيانًا أنّ الله يقودنا في طريق ثمّ يختفي، وكأنّه يتركنا في منتصف الطريق. وليت النجم لم يختفِ لأنّ ملوك المجوس لجأوا إلى هيرودس، ملك اليهوديّة. وهذا، حين سمعهم، “اضطرب، واضطربت معه أورشليم كلّها” (متّى ٢: ٣). خاف هيرودس على ملكه من طفل صغير، فدبّر مقتل أطفال بيت لحم. أمّا الطفل يسوع فنجا إلى حين، إلى أن حملت عليه أورشليم كلّها بعد ثلاثين سنة، وسلّمته إلى الرومان ليصلبوه.
أمّا المجوس فوجدوا النجم من جديد وفرحوا، ووصلوا إلى مكان الطفل. وأودعوا أهله الهدايا الّتي أحضروها. وسجدوا، ثمّ مضوا من طريق آخر. كيف يصير من الأوّلين آخرين ومن الآخرين أوّلين؟ هؤلاء البعيدون صاروا قريبين، أمّا القريب فأقصى نفسه، وصار قاتل أطفال.
ذات يوم سأل يسوع تلاميذه: “فيمَ كُنتُم تَتَجادَلونَ في الطَّريق؟” فظَلُّوا صامِتين، لأَنَّهم كانوا في الطَّريقِ يَتَجادَلونَ فيمَن هُو الأَكبَر. فجَلَسَ ودَعا الاثَنيْ عَشَرَ وقالَ لَهم:”مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَلْيَكُنْ آخِرَهم جَميعاً وخادِمَهُم”. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ طِفْلٍ فأَقامَه بَينَهم وضَمَّه إِلى صَدرِه وقالَ لَهم: مَن قَبِلَ واحِداً مِن أَمْثالِ هؤُلاءِ الأَطْفالِ إِكراماً لِاسمِي فقَد قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني فلم يَقبَلْني أَنا، بلِ الَّذي أَرسَلَني. (مرقس ٩: ٣٣-٣٧)
للتأمّل: (لوقا ٤: ١٤-٣٠)
١. وعادَ يسوعُ إِلى الجَليلِ بِقُوَّةِ الرُّوح، فانتَشَرَ خَبَرُه في النَّاحِيَةِ كُلِّها. وكانَ يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم فيُمَجِّدونَه جَميعاً. وأَتى النَّاصِرَةَ حَيثُ نَشَأَ، ودخَلَ الـمَجْمَعَ يَومَ السَّبتِ على عادَتِه، وقامَ لِيَقرأ. فدُفِعَ إِلَيه سِفْرُ النَّبِيِّ أَشَعْيا، فَفَتَحَ السِّفْرَ فوَجدَ الـمَكانَ المكتوبَ فيه: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضاً عِندَ الرَّبّ”.
٢. ثُمَ طَوَى السِّفرَ فَأَعادَه إِلى الخادِمِ وجَلَسَ. وكانَت عُيونُ أَهلِ الـمَجمَعِ كُلِّهِم شاخِصَةً إِلَيه. فَأَخَذَ يَقولُ لَهم: “اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم”. وكانوا يَشَهدونَ لَه بِأَجمَعِهِم، ويَعجَبونَ مِن كَلامِ النِّعمَةِ الَّذي يَخرُجُ مِن فَمِه فيَقولون: “أَما هذا ابنُ يوسُف؟”
٣. فقالَ لَهم: “لا شكَّ أَنَّكم تَقولونَ لي هذا المَثَل: يا طَبيبُ اشفِ نَفسَكَ. فاصنَعْ ههُنا في وَطَنِكَ كُلَّ شَيءٍ سَمِعْنا أَنَّه جَرى في كَفَرناحوم”. وأَضاف: “الحَقَّ أَقولُ لكم: ما مِن نَبِيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه. وبِحقٍّ أَقولُ لَكم: كانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ الأَرامِلِ في أَيَّامِ إِيلِيَّا، حينَ احتَبَسَتِ السَّماءُ ثَلاثَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهُر، فأَصَابَتِ الأَرضَ كُلَّها مَجاعَةٌ شديدة، ولَم يُرسَلْ إِيليَّا إِلى واحِدَةٍ مِنهُنَّ، وإِنَّما أُرسِل إِلى أَرمَلَةٍ في صَرْفَتِ صَيدا. وكانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ البُرْصِ على عَهدِ النَّبِيِّ أَليشاع، فلَم يَبْرأْ واحِدٌ مِنهُم، وإِنَّما بَرِئ نُعمانُ السُّوريّ.
٤. فثارَ ثائِرُ جَميعِ الَّذينَ في الـمَجمَع عِندَ سَماعِهِم هذا الكَلام. فَقاموا ودَفَعوه إِلى خارِجِ الـمَدينة وساقوه إلى حَرْفِ الـجَبَلِ الَّذي كانَت مَدينتُهم مَبنِيَّةً علَيه لِيُلقوُه عَنه، ولَكِنَّه مَرَّ مِن بَينِهم ومَضى.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن “نتفهّم الزمن الحاضر” أي أن نقبل الجديد الّذي يُحضره الله إلى حياتنا
١. أتخيّل يسوع يعلّم ويشفي ويصلّي وهو “بقوّة الروح” أي بجرأة وبصدق وبلطف وباندفاع… والكلّ يمدحونه. ما الّذي يحتاج إليه الناس ويجدونه في يسوع؟ في أيّامنا نحن، ما الّذي يحتاج إليه الناس لكي يزدادوا رجاء وثقة؟
٢. “اليوم تمّت هذه الآية”، الآية الّتي تقول “الربّ مسحني وأرسلني”. أمّا السامعون فمنشغلون بأصل يسوع ونسبه: “أما هذا ابن يوسف؟”. أفكّر في الفرق بين ما يسكن في قلب يسوع من دعوة إلى الثقة وما يسكن قلوب سامعيه من رغبة في امتلاكه.
٣. كيف يصير البعيد قريبًا والقريب بعيدًا؟ القريب يظنّ أنّه يمتلك السرّ، يعتبره تحصيلاً حاصلاً. أراجع نفسي: أما زال المسيح يفاجئني؟
٤. أتذكّر هيرودس كيف أراد قتل الطفل يسوع.
اليوم الرابع: يوسف
اليوم الرابع: يوسف
علّم يسوع تلاميذه قائلاً: “لَيسَ مَن يَقولُ لي يا ربّ، يا ربّ يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات.” (متّى ٧: ٢١) “أُدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. فإِنَّ البابَ رَحْبٌ والطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الهَلاكِ واسِع، والَّذينَ يَسلُكونَه كَثيرون. ما أَضْيَقَ البابَ وأَحرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَليلون.” (متّى ٧: ١٣-١٤).
لماذا جُعل الباب المؤدّي إلى الحياة ضيّقًا؟ أيكون إلهنا ضيّق الصدر في إعطاء الخلاص؟ أم أنّ الباب ضيّقٌ لأنّه يتطلّب مواجهة النفس؟ العبادة بالكلام أو باللسان لا تُدخلنا ملكوت الله. والربّ لا ينغشّ بعبادات “لَها ظاهِرُ الحِكمَةِ لما فيها مِن نَفْلٍ وتَخَشعٍّ وتَقَشُّف، ولكِن لا قيمةَ لَها لأَنَّها غَيرُ صالِحةٍ إلاَّ لإِرضاءَ الهَوى البَشرِيّ.” (قولوسي ٢: ٢٣).
في المغارة أرى يوسف، ذلك الرجل البارّ الّذي يعبد الله بأن يقوم بدوره، زوجًا وأبًا. حبّه وأمانته هما عبادته الصادقة، ليس فيها كبرياء ولا مغالاة ولا حبّ ظهور. هو الوجه الّذي رآه الطفل يسوع وتعلّم أن يدعوه أبّا، وهو الإنسان الّذي في كنفه تعلّم أن يكون ابنًا. صوته درّب المسيح على سماع صوت الآب. ولكي يبلغ هذا المقام ما كان عليه سوى أن يكون زوجًا وأبًا، أمينًا لنفسه ولعائلته ولإلهه.
غير أنّ يوسف أيضًا عبر من الباب الضيّق. يقول عنه الإنجيل إنّه كان بارًّا، أي إنّه لا يأخذ ما ليس له. حين علم بحبل مريم، لم يُرد أن يُقال له أبًا لطفل ليس ابنه، لئلاّ يأخذ ما ليس له. تنازعته الأفكار في ما عليه أن يفعل، وقرّ قراره على ترك مريم من دون فضح أمر حبلها. خاض يوسف صراعًا بين شوقه إلى الّتي يحبّها وخوفه من أن يأخذ ما ليس له فلا يرضي الله، وكعادته، قرّر أن يتحمّل وحده النتيجة، فيفقد ما يرغب فيه بدون أن يحمّل مريم وزر خسارته. مثله مثل الكثيرين منّا، نحلّ الأزمات بأن نتحمّل الحزن والألم والخوف لنجنّب الآخرين أن يتحمّلوها، مع أنّها تخصّهم كما تخصّنا. مثله مثل الكثيرين منّا، لا يجرؤ على طلب ما يريد لئلاّ يؤذي أحدًا، ويكتفي بأن يدفن حزنه في أعماق نفسه. من تلك الأعماق، من عمق السبات والحلم، كلّمه ملاك الربّ قائلاً: “لا تخف أن تأخذ امرأتك”. فبالرغم من “بطولة” يوسف الّذي يريد أن يضحّي بنفسه لأجل من يحبّ، ما زال قراره قرار إنسان خائف من قلبه، يلجم حبّه، يمتنع عن الحياة خوفًا من الظلم. ما زال يختار الأسهل، القرار الّذي لا يقلق ضميره ويجنّبه عناء التمييز. من قلب السبات يأتي الصوت “لا تخف أن تأخذ امرأتك”. وعند اليقظة يختار يوسف الباب الضيّق، يختار أن يصدّق حلمه، وأن يصدّق قلبه، وأن يصدّق امرأته.
نحتاج جميعًا إلى هذا الصوت الأبويّ: “لا تخف”. هو الّذي يجعلنا نعمل بمشيئة الآب. بدونه، نبقى أسرى خوفنا. نكتفي بأن نمتنع عن الخطأ بدون أن نتجرّأ على الخير. مثل رئيس المجمع الّذي اغتاظ لرؤية الناس يطلبون الشفاء من يسوع في يوم السبت، فقالَ لِلجَمع: “هُناكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَجِبُ العَمَلُ فيها، فتَعالوا واستَشفوا خِلالَها، لا يَومَ السَّبْت.” (لوقا ١٣: ١٤). استشفوا كما تريدون، ولكن لمَ المخاطرة؟ امتنعوا عن يوم السبت! أمّا يسوع، الّذي يعرف صوت الآب، ويعرف قلب الآب، فلم يمتنع عن الرحمة خوفًا من الشريعة، لأنّ غاية الشريعة هي في الرحمة.
أنظر إلى يوسف، رجل يعرف ما عليه أن يفعل ليخدم مشيئة الله: أن يكون زوجًا وأبًا بكلّ ما أوتي من قدرة. انتباهه على سلامة الطفل وأمّه يختزن كلّ ما عاناه وسيعانيه من أجل الربّ. وحين يفكّر في ما كان سيكون لو أنّه بقي على قراره الأوّل، لاكتشف أنّ الراحة في كثير من الأحيان تناقض الفرح.
للتأمّل: (مرقس ٥: ٢١-٤٣)
١. ورجَعَ يسوعُ في السَّفينَةِ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل، فازدَحَمَ علَيه جَمعٌ كثير، وهو على شاطِئِ البَحْر. فجاءَ أَحَدُ رُؤَساءِ المَجْمَعِ اسمُه يائِيرس. فلَمَّا رآهُ ارتَمى على قَدَمَيْه، وسأَلَه مُلِحّاً قال: اِبنَتي الصَّغيرةُ مُشرِفَةٌ على المَوت. فتَعالَ وضَعْ يَدَيكَ علَيها لِتَبرَأَ وتَحيا. فذَهبَ معَه وتَبِعَهُ جَمْعٌ كثيرٌ يَزحَمُه.
٢. وكانت هُناكَ امرأَةٌ مَنزوفَةٌ مُنذُ اثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، قد عانَت كثيراً مِن أَطِبَّاءَ كَثيرين، وأَنفَقَت كُلَّ ما عِندَها فلَم تَستَفِدْ شَيئاً، بل صارت مِن سَيِّئٍ إِلى أَسوَأ. فلمَّا سَمِعَت بِأَخبارِ يسوع، جاءَت بَينَ الجَمعِ مِن خَلْفُ ولَمَسَت رِداءَه، لأَنَّها قالت في نَفسِها: إِن لَمَسْتُ ولَو ثِيابَه بَرِئْتُ. فجَفَّ مَسيلُ دَمِها لِوَقتِه، وأَحَسَّت في جِسمِها أَنَّها بَرِئَت مِن عِلَّتِها.
٣. وشَعَرَ يسوعُ لِوَقْتِه بِالقُوَّةِ الَّتي خَرجَت مِنه، فالتَفَتَ إِلى الجَمعِ وقال: مَن لَمَسَ ثِيابي؟ فقالَ له تَلاميذُه: تَرى الجَمْعَ يَزحَمُكَ وتقول: مَن لَمَسَني؟ فأَجالَ طَرْفَهُ لِيَرَى الَّتي فَعلَت ذلك. فخافَتِ المَرأَةُ وارتَجَفَت لِعِلمِها بِما حدَثَ لَها، فَجاءَت وارتَمَت على قَدَمَيه واعتَرفَت بالحَقيقَةِ كُلِّها. فقالَ لها: يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَاذهَبي بِسَلام، وتَعافَي مِن عِلَّتِكِ.
٤. وبَينَما هُو يَتَكَلَّم، وَصَلَ أُناسٌ مِن عِندِ رئيسِ المَجمَعِ يقولون: اِبنَتُكَ ماتَت فلِمَ تُزعِجُ المُعَلِّم؟ فلَم يُبالِ يسوعُ بهذا الكَلام، بل قالَ لِرئيسِ المَجمَع: لا تَخَفْ، آمِنْ فقط. ولَم يَدَعْ أَحَداً يَصحَبُه إِلاَّ بُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا أَخا يَعقوب. ولَمَّا وَصَلوا إِلى دارِ رئيسِ المَجمَع، شَهِدَ ضَجيجاً وأُناساً يَبكونَ ويُعْوِلون. فدَخلَ وقالَ لَهم: لِماذا تَضِجُّونَ وتَبكون؟ لم تَمُتِ الصَّبِيَّة، وإِنَّما هيَ نائمة، فَضَحِكوا مِنهُ. أَمَّا هو فأَخرَجَهم جَميعاً وسارَ بِأَبي الصَّبيَّةِ وأُمِّها والَّذينَ كانوا معَه ودخَلَ إِلى حَيثُ كانَتِ الصَّبيَّة. فأَخَذَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وقالَ لها: طَليتا قوم! أَي: يا صَبِيَّة أَقولُ لكِ: قومي. فقامَتِ الصَّبيَّةُ لِوَقتِها وأَخَذَت تَمْشي، وكانتِ ابنَةَ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَة. فَدَهِشوا أَشَدَّ الدَّهَش، فَأَوصاهم مُشَدِّداً علَيهِم أَلاَّ يَعلَمَ أَحَدٌ بذلك، وأَمَرَهُم أَن يُطعِموها.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي الجرأة
اليوم الخامس: مريم
اليوم الخامس: مريم
ذات يوم قالت امرأة ليسوع: “طوبى لِلبَطنِ الَّذي حَمَلَكَ، ولِلثَّدْيَيْنِ اللَّذَينِ رَضِعتَهما” (لوقا ١١: ٢٧)، أمّا يسوع فأجابها: “بل طوبى لِمَن يَسمَعُ كَلِمَةَ اللهِ ويَحفَظُها!”
كلمة “طوبى” تعني غبطة وسعادة. نقول أيضًا “نيّالك” وتعني “هنيئًا لك” بلهجة عامّيّة. وهي إعلان فرح موعود، قد يكون لم يظهر بعد. مثل قول يسوع “طوبى للحزانى فإنّهم يُعزّون”، فهو يعدهم بالفرح. أو مثل قول أليصابات لمريم: “طوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ” (لوقا ١: ٤٥). فهي تُعلن فرحًا يعطيه الربّ لكلّ من يؤمن. فالطوبى هي إكليلٌ معدٌّ لمن يراهن عليه ويطلبه.
وفي حين تنشد تلك المرأة تطويب أمّ يسوع لأنّها حملته في بطنها وأرضعته حليبها، يعيد يسوع التطويبة إلى مكانها: كلّ من يسمع كلمة الله ويحفظها يلد المسيح في العالم ويغذّي عمله الصالح. وإذا كانت مريم تنال الطوبى من جميع الأجيال كما تقول في نشيدها (لوقا ١: ٤٨)، فذلك لأنّها آمنت بكلمة الربّ وحفظتها. يقول لوقا الإنجيليّ مرّتين إنّها كانت “تحفظ تلك الأمور (الّتي تخصّ ابنها) وتتأمّل فيها في قلبها” (لوقا ٢: ١٩ و٢: ٥١).
أنظر إلى مريم في المغارة. تلك الّتي تحوّلت حياتها كما يحوّل المواليد حياة والداتهم. لم تفهم دائمًا ماذا يحدث معها كما يقول الإنجيل (لوقا ٢: ٥٠) وكمثل كلّ الأمّهات، كان عليها أن تدع ابنها يترك البيت، وحين طلبته لم تجده، لأنّ البيت بالنسبة إليه هو حيث يعمل الإنسان بمشيئة الآب، فهو له أمّ وأخ وأخت (مرقس ٣: ٣١-٣٥). وحين لا تفهم، تأخذ موقع التلميذ، فتتأمّل في قلبها. يختصر الإنجيل حياتها بكلمة: “أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا ١: ٣٨).
مريم-البيت، أتخيّلها تراني وتدعوني إلى التقدّم. “كلّ من يعمل مشيئة أبي هو أمّي وأخي وأختي”. تضع بين يديّ مولودها الجديد. ليس عليّ أن أفعل شيئًا أو أن أعرف شيئًا، سوى أن أتنبّه كما يتنبّه كلّ من يحمل طفلاً. وأدع الطوبى تجتاحني.
طوبى مريم ليست سهلة. سمعان الشيخ سيقول لها بعد أيّام أنّ سيفًا سينفذ في نفسها (لوقا ٢: ٣٥) بسبب ابنها. لهذا يقول تقليد قديم إنّ مريم لم تلد يسوع بمخاض مؤلم. ليس ذلك إلاّ إشارة إلى أنّ مخاضها سيتمّ حين تقف أمام صليب ابنها (يوحنّا ١٩: ٢٥-٢٧) وتصير الأمّ لإخوة كثيرين. مع أنّها الممتلئة نعمة، كما أسماها الملاك (لوقا ١: ٢٨) إلاّ أنّها هي أيضًا “بالمشقّة تلد البنين” مثل حوّاء أمّها (تكوين ٣: ١٦).
أنظر إلى مريم وأطلب نعمةً، نعمة أن أعطي كلمة الله جسدًا في جسدي، فأتلقّى الطوبى من وسط مشقّات حياتي.
للتأمّل: (يوحنّا ٢: ١-١١)
١. وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك.
٢.فدُعِيَ يسوعُ أَيضاً وتلاميذُه إِلى العُرس. ونَفَذَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: “لَيسَ عِندَهم خَمْر”. فقالَ لها يسوع: “ما لي وما لَكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد”.
٣. فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: “مَهما قالَ لَكم فافعَلوه”.
٤. وكانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: “اِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً”. فمَلأُوها إِلى أَعْلاها. فقالَ لَهم: اِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة. فناوَلوه، فلَمَّا ذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْراً، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون، دَعا العَريسَ وقالَ له: “كُلُّ امرِىءٍ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا سَكِرَ النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إِلى الآن”. هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن نُظهر المسيح في أجسادنا (أعمالنا، أقوالنا، مواقفنا)
١. “كانت أمّ يسوع هناك”
٢. “لم تأتِ ساعتي بعد”. ساعة يسوع هي الصليب. هناك أيضًا أمّ يسوع حاضرة. حضورها مرتبط بالساعة، ساعة المخاض، كما يقول يسوع: “إِنَّ المرأَةَ تَحزَنُ عِندما تَلِد لأَنَّ ساعتَها حانَت. فإِذا وَضَعتِ الطَّفْلَ لا تَذكُرُ شِدَّتَها بَعدَ ذلك لِفَرَحِها بِأَن قد وُلِدَ إِنسانٌ في العالَم” (يوحنّا ١٦: ٢١)
٣. “مهما قال لكم فافعلوه”. أتذكّر كلمتها: “أنا أمة الربّ…”
٤. “في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون”. موقع الخادم ليس أدنى درجة، بل أقرب إلى معرفة الربّ.
اليوم السادس: الملائكة
اليوم السادس: الملائكة
قال يسوع لتلاميذه: “طعامي أن أعمل بمشيئة الّذي أرسلني وأن أتمّ عمله.” (يوحنّا ٤: ٣٤).
نحن نحتاج إلى الطعام يسند أجسادنا. وابن الله شاركنا بكلّ شيء فصار مثلنا يحتاج إلى الطعام.
ونحن نحتاج إلى التقدير يسند رغبتنا في الحياة. وابن الله صار واحدًا منّا، يحتاج إلى الحبّ والتقدير ليتمّ إنسانيّته.
ولكنّنا لا نحبّ أنّنا نحتاج إلى الطعام والتقدير. نشعر أنّنا نعتمد على الآخرين. نتمنّى لو أنّنا نحيا من دون جوع وعطش. نأسف لاحتياجنا إلى تقدير الآخرين ومساندتهم. نريد أن نكون مثل الملائكة، بدون جسد. أمّا ابن الله، فمع أنّه في صورة الله، “لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة بل تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر” (فيليبي ٢: ٦-٧)، وذلك لكي يصالحنا مع إنسانيّتنا. لو لم نكن معرّضين للجوع لما عَنَت لنا الإفخارستيّا شيئًا، فابن الله صار لنا طعامًا لأنّ لنا في الطعام حياة وقبول للحياة. ولو لم نحتَج للتقدير، لما كانت تعزيات الربّ تقوّينا وتدلّنا في الطريق مثل نجم المجوس، مثل ملائكة الرعاة، مثل أحلام يوسف، مثل رؤى زكريّا ومريم.
فنحن نكره إنسانيّتنا، أمّا الله فيحبّها. منذ اختبارنا الأوّل لنقصنا، لعدم اكتمالنا، لحاجتنا إلى الزمن، زمن الانتظار، زمن الاكتمال، وتطنّ في آذاننا كلمة الحيّة: “تصيران مثل آلهة” (تكوين ٣: ٥). لكي “نصير مثل آلهة” نمدّ يدنا ونأخذ ما ليس لنا، ظانّين أنّنا بذلك نكمّل أنفسنا. من يأخذ ما ليس له يعتبر أنّ ما له غير كافٍ. هذا هو الوهم الّذي يسمّم حياتنا، فنكره إنسانيّتنا. ابن الله صار واحدًا منّا لكي نحبّ إنسانيّتنا وما لها، لأنّ لها ابن الله نفسه. “إنّ الله الّذي لم يضنّ بابنه، بل أسلمه إلى الموت من أجلنا جميعًا، كيف لا يهبنا معه كلّ شيء؟” (روما ٨: ٣٢).
لكي نستطيع أن نحمل صليب إنسانيّتنا، ونتصالح مع الله بشأن هويّتنا، فنقبل أنفسنا مباركين بالمسيح منذ قبل إنشاء العالم، يكشف لنا الله عن قصده الخلاصيّ ويجعلنا مشاركين بإتمام عمله. “طعامي أن أعمل مشيئة الّذي أرسلني وأن أتمّ عمله”. عمل الملائكة أن يكشفوا عن قصد الله لكي يشارك الإنسان في إتمامه، وكما نتغذّى من الطعام والتقدير، نتغذّى أيضًا من التعزيات الروحيّة الّتي يعطيها الربّ بغزارة لمن يسير في طريق مشيئته.
أرى الملائكة في المغارة. أراهم مجسّمين بصورة بشر مجنّحين، أراهم بصورة النجم فوق المغارة، أراهم بصورة الكريات الّتي بها نزيّن شجرة العيد. أراهم في ذاكرة الرعاة ويوسف ومريم. أراهم في الفرح الّذي يداخل قلب كلّ من يعمل الخير بدون أيّ مردود آخر له سوى الثقة بأنّه قام بما كان ينبغي له أن يفعل. أراهم في التعزيات الروحيّة الّتي أشعر بها أحيانًا في الصلاة. وأتذكّر أيضًا حين أفتقدهم، حين يحلّ القلق والحزن في مكان الفرح، حين أضطرب بدون سبب، أو لأقلّ الأسباب… وأسأل الله نعمة أن يتغلّب على صوت الكذب في نفسي، الّذي يجعلني أكره إنسانيّتي، وأن يبدّد الكذب بروح الحقّ المعزّي، لكي أفهم القصد الإلهيّ وأشارك في إتمامه بحسب موقعي.
للتأمّل: (لوقا ١٠: ٢٥-٣٧)
١. وإِذا أَحَدُ عُلماءِ الشَّريعَةِ قَد قامَ فقالَ لِيُحرِجَه: يا مُعَلِّم، ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟ فقالَ له: ماذا كُتِبَ في الشَّريعَة؟ كَيفَ تَقرأ؟ فأَجاب: أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وكُلِّ نَفسِكَ، وكُلِّ قُوَّتِكَ، وكُلِّ ذِهِنكَ وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ. فقالَ لَه: بِالصَّوابِ أَجَبْتَ. اِعمَلْ هذا تَحْيَ. فأَرادَ أَن يُزَكِّيَ نَفسَه فقالَ لِيَسوع: ومَن قَريبـي؟
٢. فأَجابَ يَسوع: كانَ رَجُلٌ نازِلاً مِن أُورَشَليم إِلى أَريحا، فوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص. فعَرَّوهُ وانهالوا علَيهِ بِالضَّرْب. ثمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت. فاتَّفَقَ أَنَّ كاهِناً كانَ نازِلاً في ذلكَ الطَّريق، فرآهُ فمَالَ عَنه ومَضى. وكَذلِكَ وصلَ لاوِيٌّ إِلى المَكان، فَرآهُ فمَالَ عَنهُ ومَضى.
٣. ووَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودَفَعهما إِلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: اِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي.
٤. فمَن كانَ في رأيِكَ، مِن هؤلاءِ الثَّلاثَة، قَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص؟ فقال: الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة. فقالَ لَه يَسوع: اِذْهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلك.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن نُشارك في إتمام قصد الله، كلّ واحد بحسب موقعه
أتوقّف على كلّ مقطع من المقاطع الأربعة وأفكّر في نفسي: ما الّذي يحرّك الأشخاص من الداخل؟ وأنا كيف كنتُ سأتصرّف؟ ما الّذي يحرّكني؟ أطلب من الربّ قائلاً: “أردُدْ لي سُرورَ خَلاصِكَ فيُؤَيِّدَني روحٌ كَريم” (مزمور ٥١: ١٤)
اليوم السابع: المذود
اليوم السابع: المذود
قال يسوع لتلاميذه: “طوبى لِلعُيونِ الَّتي تُبصِرُ ما أَنتُم تُبصِرون. فإِنَّي أَقولُ لَكم إِنَّ كثيراً مِنَ الأَنبِياءِ والمُلوكِ تَمنَّوا أَن يَرَوا ما أَنتُم تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما أَنتُم تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا.” (لوقا ١٠: ٢٣-٢٤).
يكشف لنا يسوع عن انتظار يسكن البشر، سواء عرفوه أم لم يعرفوه، انتظار مخلّص ينتزعهم من الأوهام ومن الظلمات. حين كانت الجموع تتحلّق حوله لسماع كلمته، كان يجذبها ذاك الانتظار. فكلماته، مع أنّها جديدة على مسامعهم، إلاّ أنّها كانت أيضًا مألوفة، وكأنّها تخاطبهم بحنين يسكن قلوبهم، ولا يعرفون كيف يعبّرون عنه. هو نفسه قال للجموع: “ما من أحد يستطيع أن يُقبلَ إليّ إلاّ إذا اجتذبه الآب الّذي أرسلني” (يوحنّا ٦: ٤٤). صوت الآب هو الصوت الّذي نعرفه ولا نعرفه، يسكن فينا، يحرّك شوقنا إلى عالمٍ ليس فيه عنف أو حزن أو خوف، ولكنّنا لا نجرؤ على أن نصدّقه. إنّما أتى يسوع إنسانًا يحمل الصوت أمام أعيننا وآذاننا، يُسمعنا ما اشتهينا أن نسمع، ويرهُن حياته على صوت الآب لعلّنا نصدّق أنّ هذا الصوت هو الحقيقة الأخيرة، هو غاية التاريخ، هو ما يبقى حين يزول كلّ شيء. ومع أنّنا نشتهي ما يقوله الآب فينا، وما نسمعه منه في يسوع، إلاّ أنّ خوفنا وحزننا ووهم السيطرة الّذي يسكننا وكلّ أشباحنا تحاملت على المسيح ليُصلب. وكان لنا في موته اكتمال صدقه، لأنّه راهن على صوت الآب حتّى الموت، وبقيامته كشف أنّ لا سبيل لإسكات كلمة الله.
انتظار يسكن البشريّة. الأنبياء والملوك وقبائل الأرض، بل كلّ ما يسكن الأرض والفلك يستمدّ معنى وجوده من ذاك الّذي يعطي الوجود. وشعب الله في العهد القديم يترقّب الربّ باسم الخليقة كلّها: “تَرَقُّبُ نَفْسي لِلرَّبِّ أشدُّ مِن تَرَقُّبِ الرُّقَباءِ لِلصُّبْح. لِيَكُنْ إِسْرائيلُ راجِيًا لِلرَّبِّ أَشَدَّ مِنَ الرُّقَباءِ لِلصّبْح.” (مزمور ١٣٠: ٦-٧). وشعب الله في العهد الجديد، الّذي عرف المسيح ونال باكورة الروح (روما ٨: ٢٣)، يُعلن المسيح غاية انتظار البشر، وينتظر مع الخليقة وباسمها اكتمال التدبير الإلهيّ.
يشبّه الرسول بولس انتظار الكنيسة وانتظار الخليقة بالمخاض: “فإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ الخَليقةَ جَمْعاءَ تَئِنُّ إِلى اليَومِ مِن آلامِ المَخاض، ولَيسَت وَحْدَها، بل نَحنُ الَّذينَ لَنا باكورةُ الرُّوحِ نَئِنُّ في البَاطِن مُنتظِرينَ التَّبَنِّي، أَيِ افتِداءَ أَجسادِنا، (…)
وكَذلِكَ فإِنَّ الرُّوحَ أَيضاً يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجب، ولكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بأَنَّاتٍ لا تُوصَف.” (روما ٨: ٢٢-٢٦).
أنظر إلى المذود الّذي يمثّل الخليقة كلّها الّتي تنتظر الخالق. فبفعل الروح إنّ الخليقة حُبلى بابن الله وتتمخّض بانتظار تجلّيه. من وراء المذود أنظر إلى المغارة ومن فيها: الحجارة والنبات، والحيوانات، والأشخاص. بل أنظر إلى أبعد، إلى بيت لحم واليهوديّة، والشرق الأوسط بما فيه من دمار وخراب، وعائلات تلتئم، بعضها في الدفء وبعضها في البرد والجوع. وأنظر إلى أبعد، فأرى كوكبنا بجماله وقساوته، عليه شعوب تحرّكها الأفراح والأحزان، المخاوف والرجاء… شعوبٌ مختلفة الأعراق والألوان والمذاهب والعادات، بعضها في سلم وبعضها في حرب، تعاني الأوبئة والمخاطر، وتبني البيوت والأبراج. ليس منهم واحدٌ أو واحدة يستثنيها حبّ الربّ، وليس منهم واحد ولا واحدة لا يسكنها انتظار الربّ، بعلمهم أو بغير علمهم… وأتخيّل أنّ الله أيضًا ينظر إلى الأرض. كما قال لموسى: “رأيت مذلّة شعبي، سمعتُ صراخه، علمتُ بشقائه وأتيتُ لأخلّصه. فالآن اذهب: أنا أرسلك إلى فرعون…” (خروج ٣: ٧-٨). هكذا أتخيّل الله يقول: هوذا العالم يحتاج إلى فداء، صراخه يحرّك أحشائي، انتظاره يطلب مجيئي، وأنا الإله الّذي يأتي، ولا ينفكّ يأتي، ليحلّ الخلاص. وينظر الله إلى الكون، إلى الأرض وما فيها، إلى اليهوديّة، إلى بيت لحم، إلى المذود، ليكون الإله الّذي يأتي، ولا ينفكّ يأتي.
وأنت الّذي تنظر إلى المذود وتفهم، طوبى لعينيك لأنّهما تريان أبعد من المنظور. طوبى لأذنيك لأنّهما تسمعان ما يقوله الله: “رأيتُ، سمعتُ، علمتُ، أتيتُ لأنّ أحشائي تحرّكت”. طوبى لقلبك إن قلتَ: “هاءنذا، فأرسلني” (أشعيا ٦: ٨).
للتأمّل: (لوقا ٩: ٢٨-٣٦)
١. وبَعدَ هذا الكَلامِ بِنَحوِ ثَمانِيَةِ أَيَّام، مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي. وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم.
٢. وكان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه والرَّجُلَينِ القائميَنِ مَعَه، حتَّى إِذا هَمَّا بِالانصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا ! ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول.
٣. وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا. وبَينما الصَّوتُ يَنطَلِق، بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ، فالتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحداً في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن نشعر بانتظار البشريّة لمجيء المخلّص وأن نفهم هويّة يسوع ورسالته وأن نشاركه فيهما
أتوقّف على كلّ مقطع من المقاطع الثلاثة. أتخيّل الأشخاص وما يسكن في قلوبهم. ثمّ أكلّم الربّ بما أشعر به.
اليوم الثامن: يسوع
اليوم الثامن: يسوع
قال يسوع لتلاميذه وللجموع: “مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. لِأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارَة فإِنَّه يُخَلِّصُها. فماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفْسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بدلاً لِنَفسِه؟” (مرقس ٨: ٣٤-٣٧).
لو كان ليسوع مدير علاقات عامّة لاستقال فورًا بعد هذه “التغريدة”. مَن ذا الّذي يدعو الناس إلى اتّباعه بالزهد في النفس وحمل الصليب؟ مَن يجرؤ على مخاطبة الناس بهذه الطريقة؟ مَن هو الّذي يقول الحقّ بلا مواربة؟ فكلّ من يعدني بأنّي أحافظ على حياتي لا يقول الحقّ، لأنّ حياتنا تنساب من بين أيدينا ولا نستطيع الإمساك بها. الطريقة الوحيدة لحفظ الحياة هي في بذلها. كلمات يسوع متطلّبة وعسيرة، وربّما لذلك انقطع عن اتّباعه كثيرون (يوحنّا ٦: ٦٦). ومع ذلك فإنّ تلك الكلمات تُلهب قلوبنا لأنّها في نهاية الامر واقع: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟
أنا ما زلتُ في طور أن أصير إنسانًا. عبر السنين، عرفت خيبات أمل كثيرة. في كلّ مرّة لم يخضع الواقع لإرادتي، تدرّجتُ على قبول الواقع، لأنّ لا مفرّ لي من ذلك. ولكنّي سرّيًّا كنتُ ألقي خيبة أملي في داخل قلبي. قبول الواقع صاغرًا لا يجعلني متصالحًا معه. وشيئًا فشيئًا تجمّعت في داخلي خيبات الأمل الّتي رميتها في داخلي فصارت مثل مستنقع أسود يُخيفني، فأرفض أن أنظر إليه. في عمقه، يقوم هذا المستنقع على أنّي أرفض أن أكون غير مكتمل، أن أكون خليقة، أن أكون في طور التكوين. فهو في عمقه كرهٌ لإنسانيّتي. ويظهر بالمرارة الّتي أتذوّقها حين أختبر الفشل أو الحزن أو خيبة الأمل. هذه المرارة الّتي أستطعمها حين أغضب، وحين أرغب في الموت، وحين أكتئب. ولا يمكن لهذا المستنقع أن يجفّ إلاّ بقدر ما أتصالح مع واقعي. لا بقوّة الإرادة، الّتي تقمع الحزن ولا تشفيه، بل باكتشاف أنّ الواقع يستحقّ أن يُعاش لأنّه يحمل وعدًا.
هذا الّذي أهرب منه، يسوع يواجهه. هو نفسه عرف مثل كلّ إنسان مستنقع خيبة الأمل والحزن. ولكنّه تصالح مع واقعه لأنّه يعرف قلب الآب. وعلّمنا ألاّ نهرب من موتنا بالأوهام، ولا بواقعيّة تشبه اليأس، بل بمواجهة عدمنا، متسلّحين بالثقة بأنّ الآب أعظم من عدمنا.
حين أنظر إلى الطفل الموضوع في مذود، أرى الرجل المعلّق على الصليب. هذا الإنسان الّذي كان حقًّا إنسانًا حتّى وقع عليه كرهنا لإنسانيّتنا، فأردنا موته، مع أنّنا لا نريد غيره لنا قائدًا. حين أنظر إلى الطفل يسوع، أرى رغبة الله في أن يكلّمنا، ولأنّ الكلمات لا تكفي، صارت كلمته إنسانًا، وحياة هذا الإنسان تُخبرنا عن الله أكثر من كتب العالم كلّها. لأنّ الكتب تُخبر عن بُعد، أمّا الإنسان الّذي يراهن على الله ويواجه عدمه، لا يكشف لنا عن الله فحسب، بل يصنع لنا طريقًا إليه. أمامه أستطيع أن أكون من أنا، لأنّه لا يحكم عليّ ولا يرفضني، بل يدعوني أخًا ويرى فيّ ما هو أبعد ممّا يُرى، فيكشف لي عن كرامة لم أكن أدرِ بها، تنهار إلى جانبها سخرية الساخرين، وتنمّر المتنمّرين، وظلم الظالمين. يعديني رغبة في وجودي، لأنّه أراد وجودي حتّى التجسّد، حتّى الفداء.
للتأمّل: (يوحنّا ٨: ٢-١١)
١. وعادَ عِندَ الفَجرِ إِلى الهَيكلَ، فأَقبَلَ إِلَيهِ الشَّعبُ كُلُّه. فجلَسَ وجَعلَ يُعَلِّمُهم.
٢. فأَتاهُ الكَتَبةُ والفِرِّيسيُّونَ بِامرَأَةٍ أُخِذَت في زنًى. فأَقاموها في وسَطِ الحَلقَةِ وقالوا له: “يا مُعَلِّم، إِنَّ هذِه المَرأَةَ أُخِذَت في الزِّنى المَشْهود. وقد أَوصانا مُوسى في الشَّريعةِ بِرَجْمِ أَمثالِها، فأَنتَ ماذا تقول؟” وإِنَّما قالوا ذلكَ لِيُحرِجوهُ فيَجِدوا ما يَشْكونَه بِه.
٣. فانحنَى يسوعُ يَخُطُّ بِإِصبَعِه في الأَرض. فلَمَّا أَلحُّوا علَيه في السُّؤال اِنتَصَبَ وقالَ لَهم: “مَن كانَ مِنكُم بلا خَطيئة، فلْيَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرميها بِحَجَر!” ثُمَّ انحَنى ثانِيةً يَخُطُّ في الأَرض.
٤. فلَمَّا سَمِعوا هذا الكَلام، انصَرَفوا واحِداً بَعدَ واحِد يَتَقدَّمُهم كِبارُهم سِناًّ. وبَقِيَ يسوعُ وَحده والمَرأَةُ في وَسَطِ الحَلْقَة.
٥. فانتَصَبَ يسوعُ وقالَ لَها: أَينَ هُم، أَيَّتُها المَرأَة؟ أَلَم يَحكُمْ عَليكِ أحَد؟ فقالت: “لا، يا ربّ.” فقالَ لها يسوع: “وأَنا لا أَحكُمُ علَيكِ. إِذهَبي ولا تَعودي بَعدَ الآنَ إِلى الخَطيئة”.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي المصالحة مع ذواتنا، ومع الزمن الّذي نحتاج إليه لتكتمل إنسانيّتنا
أتوقّف على كلّ مقطع من المقاطع الخمسة: ما الّذي أفهمه؟ ما الّذي أشعر به؟ أتنبّه إلى الكلمات، وأحاول أن أفهم ما يدور في قلب الشخصيّات: المرأة، الفرّيسيّين، حاملي الحجارة، يسوع، الحاضرين… وأنتبه إلى التشابه مع شعوري في مختلف ظروف حياتي.
اليوم التاسع: قصّة لم تنتهِ بعد
اليوم التاسع: قصّة لم تنتهِ بعد
ما أحبّه في تقاليد عيد الميلاد هو أنّ قصّة ولادة يسوع ولّدت قصصًا كثيرة تتناقلها الأجيال تستوحي القصّة الأصليّة أو تُضيف عليها ما يأتي من نسج الخيال. مثل قصّة بائعة الكبريت، أو رواية المجوس الرابع، أو قصّة سكروج البخيل، وغيرها الكثير. قصص تروي هشاشة الإنسان وشوقه إلى عالم جديد، يشبه طفل المغارة. ذلك أنّ قصّة الميلاد نفسها تعبر في قصص مختلفة: قصّة زكريّا الكاهن الحزين وامرأته أليصابات الّتي حبسها العالم في عقمها. قصّة يوسف البارّ الّذي يخشى أن يأخذ امرأته لئلاّ يوبّخه ضميره. قصّة هيرودس العنيف الّذي يكرّر مأساة ملوك إسرائيل. حتّى إنّ الإنجيل يورد نسب يسوع ليذكّر القارئ بقصص أخرى، مثل جريمة داود، وفاجعة السبي إلى بابل، وغيرها. قصّة الميلاد تعبر في قصص كثيرة وتولّد قصصًا كثيرة، لتقودها إلى معنىً وقيمةً ومصالحة تتوق إليها. وها هي القصّة تعبر في قصّة حياتنا. نحن أيضًا في قصّتنا توق وشوق يحتاجان إلى الفرح.
ننظر إلى عالمنا، نراه غارقًا في انشغالاته، خائفًا من هشاشته، سجين طموحاته. نرى فيه أبطالاً يراهنون على الإنسانيّة بالرغم من كلّ شيء. نرى أيضًا أسيادًا يتقاسمون النفوذ. نرى فقراء ينتظرون الفرج. نرى أحبّاء يمنعهم الوباء من رؤية أحبّائهم. نرى عائلات معرّضة للانقسام. نرى آباء وأمّهات يسعون من أجل أولادهم. نرى شبّانًا يخوضون المخاطر لأجل تأمين مستقبل. نرى بريق الطموح عند البعض ومرارة الخيبة عند البعض. قصّة الميلاد لا تستثني أحدًا ولا تُقصي أحدًا. كلّ ما تريد هو أن تذكّر العالم بأنّ قبول مولود جديد يستحقّ العناء. بأنّ عالـمــًا لا مكان فيه لطفل هو عالم فقد روحه. بأنّ المعاناة يمكنها أن تزيد العالم وحشيّة، كما أنّ بإمكانها أن تزيده إنسانيّة، والأمر يتوقّف على كلّ واحد منّا.
الوباء قد يحطّم علاقاتنا، أو قد يحفّز تضامننا. العنف قد يقودنا إلى تراشق التهم أو إلى بحث جدّيّ عن وسائل التفاهم. العالم وُضع بين أيدينا لنجعله أفضل، وقصّة الميلاد تعطينا معيارًا خاصًّا: قبول الطفل. حيث يجد الطفل مكانًا، وحماية، وقبولاً، يجد العالم رجاء خلاصه. لكي نستعدّ لعيد الميلاد، فلنحسن قبول الأطفال.
للتأمّل: المغارة
١. وفي تِلكَ الأَيَّام، صدَرَ أَمرٌ عنِ القَيصَرِ أَوغُسطُس بِإِحْصاءِ جَميعِ أَهلِ الـمَعمور، فذَهبَ جَميعُ النَّاسِ لِيَكَتتِبَ كلُّ واحِدٍ في مَدينتِه. وصَعِدَ يوسُفُ أَيضاً مِن الجَليل مِن مَدينَةِ النَّاصِرة إِلى اليَهودِيَّةِ إِلى مَدينَةِ داودَ الَّتي يُقالُ لَها بَيتَ لَحم، فقَد كانَ مِن بَيتِ داودَ وعَشيرتِه، لِيَكتَتِبَ هو ومَريمُ خَطيبَتُه وكانَت حَامِلاً. وبَينَما هما فيها حانَ وَقتُ وِلادَتِها، فولَدَتِ ابنَها البِكَر، فَقَمَّطَتهُ وأَضجَعَتهُ في مِذوَدٍ لأَنَّهُ لم يَكُنْ لَهُما مَوضِعٌ في الـمَضافة.
٢. وكانَ في تِلكَ النَّاحِيَةِ رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم. فحَضَرَهم مَلاكُ الرَّبِّ وأَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم، فخافوا خَوفاً شَديداً. فقالَ لَهمُ الـمَلاك: “لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ. وإِلَيكُم هذِهِ العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطاً مُضجَعاً في مِذوَد”. وانضَمَّ إِلى الـمَلاكِ بَغَتةً جُمهورُ الجُندِ السَّماوِيِّينَ يُسَبِّحونَ الله فيَقولون: “الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه!” فَلَمَّا انصَرَفَ الـمَلائِكَةُ عَنهُم إِلى السَّماءِ، قالَ الرُّعاةُ بَعضُهُم لِبَعض: “هَلُمَّ بِنا إِلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الَّذي أَخبَرَنا بِه الرَّبّ.” وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفلَ مُضجَعاً في الـمِذوَد. ولَـمَّا رَأَوا ذلكَ جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذلك الطِّفْل. فَجَميعُ الَّذين سَمِعوا الرُّعاةَ تَعَجَّبوا مِمَّا قالوا لَهم وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها. ورَجَعَ الرُّعاةُ وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم.
٣. ولـمّا وُلِدَ يسوعُ في بَيتَ لَحمِ اليهودِيَّة، في أيَّامِ المَلِكِ هيرودُس، إِذا مَجوسٌ قدِمُوا أُورَشليمَ مِنَ المَشرِقِ وقالوا: “أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟ فقَد رأَينا نَجمَه في المَشرِق، فجِئْنا لِنَسجُدَ لَه.” فلمَّا بلَغَ الخَبَرُ المَلِكَ هيرودُس، اِضْطَرَبَ واضطَرَبَت مَعه أُورَشليمُ كُلُّها.4فَجَمَعَ عُظَماءَ الكَهَنَةِ وكَتَبَةَ الشَّعْبِ كُلَّهم واستَخْبَرهم أَين يُولَدُ المسيح. فقالوا له: في بَيتَ لَحمِ اليَهودِيَّة”. فدَعا هيرودُسُ الَمجوسَ سِرّاً وتَحقَّقَ مِنْهم في أَيِّ وَقْتٍ ظهَرَ النَّجْم. ثُمَّ أَرْسَلَهم إِلى بَيتَ لَحمَ وقال: “اِذْهَبوا فابحَثوا عنِ الطِّفْلِ بَحْثاً دَقيقاً، فإِذا وَجَدْتُموه فأَخبِروني لأذهَبَ أَنا أَيضاً وأَسجُدَ له.” فلمَّا سَمِعوا كَلامَ الَمِلكِ ذَهَبوا. وإِذا الَّنجْمُ الَّذي رأَوهُ في المَشرِقِ يَتَقَدَّمُهم حتَّى بَلَغَ المَكانَ الَّذي فيه الطِّفلُ فوَقفَ فَوقَه. فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحاً عَظيماً جِدّاً. وَدخَلوا الَبيتَ فرأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه مَريم. فجَثَوا له ساجِدين، ثُمَّ فتَحوا حَقائِبَهم وأَهْدَوا إِليه ذَهباً وبَخوراً ومُرّاً. ثُمَّ أُوحِيَ إِليهِم في الحُلمِ أَلاَّ يَرجِعوا إِلى هيرودُس، فانصَرَفوا في طَريقٍ آخَرَ إِلى بِلادِهم.
بخصوص تأمّلنا اليوم:
– النعمة الّتي سنطلبها هي أن يُعدّنا الروح القدس لعيد الميلاد كما أعدّ مريم ويوسف والرعاة والمجوس
أنظر إلى شخصيّات المغارة: الثور والحمار، الرعاة، المجوس، يوسف ومريم، الطفل يسوع، وأتوقّف حيث أجد رغبة.