اليوم الأوّل: "لأنّه أحبّنا"
رياضة الأسبوع العظيم ٢٠٢١
الأب داني يونس اليسوعيّ
اليوم الأوّل: "لأنّه أحبّنا"
أرسلت مرتا ومريم إلى يسوع تقولان: “الّذي تحبّه مريض” (يوحنّا ١١: ٣)،
لأنّ يسوع كان يحبّ مرتا وأختها ولعازر (يوحنّا ١١: ٥).
ومن أجل “صديقنا لعازر” يعود يسوع إلى اليهوديّة، مع أنّ اليهود كانوا يريدون قتله.
أمام قبر صديقه، ينظر الربّ مطوّلاً إلى ظلمة القبر…
إلى أين أنت مستعدّ للذهاب من أجل الصداقة؟
حين صاح “لعازر قم!” كان الحكمُ قد أُبرم: “يسوع يُحكم عليه بالموت”
مريم أخت لعازر وحدها فهمت أنّ القدرة الفائقة الّتي أقامت أخاها من الموت،
هي قدرة فائقة على بذل الذات،
قدرة فائقة على حبّ الإنسان حتّى ولو تآكله الفساد،
قدرة فائقة على الغفران.
فأفرغت قارورة الطيب على جسم يسوع، لأنّها فهمت…
قامت بعمل صالح، بعمل نبويّ، فطيّبت جسده سالفًا للدفن (مرقس ١٤: ٨)
فهمت أنّ هذا الصديق سيدفع غاليًا ثمن الصداقة،
وربّما فهمت سرّيًّا أنّه لن يتسنّى لها تطييب الجسد بعد الموت.
الّذي فهمته مريم، نحتاج إلى أن نفهمه بدورنا…
لماذا عبر في الموت، إن لم يكن لأنّه أحبّنا…
حكم الموت مُبرم على كلّ إنسان،
ولكن هذا الإنسان، يسوع، وحده، يجعل من الموت حكمًا ظالمًا،
هذا الإنسان وحده يمنعني أن أعتقد أنّ الموت من طبيعة الإنسان.
“لأنّ الله لم يصنع الموت ولا يسرّ بهلاك الأحياء” (سفر الحكمة ١: ١٣).
بفضل يسوع لا أتعوّد على الموت ولا أتبنّى أفكاره.
فاستاءَ بَعضُهم وقالوا فيما بَينَهم: ” لِمَ هذا الإِسْرافُ في الطِّيب؟ فقَد كانَ يُمكِنُ أَن يُباعَ هذا الطِّيبُ بِأَكثَرَ مِن ثَلاثِمِائةِ دينار فتُعْطى لِلفُقَراء”. وأخَذوا يُدَمدِمونَ علَيها.
فقالَ يسوع: “دعوها، لِماذا تُزعِجونَها؟ فقد عَمِلَت لي عملاً صالِحاً. أَمَّا الفُقَراء فهُم عِندَكم دائماً أَبداً، ومَتَى شِئتُم، أَمكَنَكم أَن تُحسِنوا إِلَيهم. وأَمَّا أَنا فلَستُ عِندَكم دائماً أَبداً. وقد عَمِلَت ما في وُسعِها، فَطَيَّبَت جَسَدي سالِفاً لِلدَّفْن. الحَقَّ أَقولُ لكم: حَيثُما تُعلَنِ البِشارَةُ في العالَمِ كُلِّه، يُحَدَّثْ أَيضاً بِما صَنَعت هذه، إِحْياءً لِذِكْرِها.” (مرقس ١٤: ٣-٩)
(راجع طريقة التأمّل الّتي عرضناها في يوم الدخول)
نقطة أولى: أرافق المرأة في قرارها أن تحضر قارورة الطيب وأن تكسرها وأن تفيض محتواها على رأس يسوع. ما الّذي يدفعها؟ ما الّذي يسكن فيها من شعور؟ ما الّذي يقلقها أو يجعلها تتردّد؟ ثمّ أسأل نفسي: “إلى أين يذهب يسوع في سبيل الصداقة؟ وأنا، ما الّذي أفعله في سبيل الصداقة؟”
نقطة ثانية: استياء التلاميذ. ما هو دافعه؟ هل هو الاهتمام بالفقراء؟ أحيانًا أشعر بإعاقتي أمام الحبّ فأبدأ باتّهامه بأنّه غير صادق أو غير مستنير أو في غير محلّه.
نقطة ثالثة: أسمع ردّ يسوع مدافعًا عن المرأة. “عملت ما في وسعها”. ما هي المشاعر الّتي يحرّكها في داخلي ردّ يسوع؟ أعي تلك المشاعر بدون حكم عليها وأعمل على فهمها. ثمّ أكلّم الربّ بشأن تلك المشاعر.
المرحلة الأولى: لنتأمّل يسوع يُحكم عليه بالموت
حين عرض بيلاطس يسوع على الشعب، قبل أن يقول “هوذا ملككم” (يوحنّا ١٩: ١٤) قال لهم: “هوذا الإنسان” (يوحنّا ١٩: ٥). لأنّ مصير يسوع هو مصير الإنسان. حمل مصير الإنسان لأنّه إنسان، ومع ذلك حمل مصيرًا لم يكن شريكًا في صنعه، لأنّه “لم يَرتكِبْ خَطيئَةً ولَم يُوجَدْ في فَمِه غِشّ.” (رسالة بطرس الأولى ٢: ٢٢). حين حُكم على البريء بالموت، انكشفت قساوة القلب وظهرت الخطيئة، فصار ممكنًا غفرانُها.
أستعيد بذاكرتي الأحكام الظالمة، تلك الّتي عانيتُ منها، وتلك الّتي صدرت عنّي. ثمّ أحاول قدر المستطاع أن أشعر بما شعر به يسوع حين حُكم عليه بالموت.
المرحلة الثانية: لنتأمّل يسوع حاملاً صليبه على منكبيه
“من أراد أن يتبعني… فليحمل صليبه…”، “قم احمل فراشك وامشِ.”
ليس حِمْلٌ أثقل من أن يحمل الإنسان مسؤوليّة حياته. فأسهل الطرق لوم الآخر، ولوم الظروف، ولوم الله… وحتّى لوم الذات. ففي ملامة الذات تخدير لدعوة الله الّتي تحثّنا على حمل مسؤوليّة حياتنا. لهذا نغرق في شعور الذنب الّذي هو هروبٌ، مثله مثل لوم الآخرين ولوم الظروف، هروب من الحياة.
أستعيد بذاكرتي اللحظات الّتي شعرتُ فيها بثقل الحياة وبالرغبة بأن يحملها أحد مكاني. ثمّ أحاول أن أصل إلى رغبة يسوع في أن أحيا.
المرحلة الثالثة: لنتأمّل يسوع يقع تحت الصليب
إنّ درب الله إلينا ودربنا إليه يعبر في الضعف والفشل. لا يُبهرنا بقدرة تحرّك فينا شهوة السلطة، ولا يغوينا بتناسق يسحر ألبابنا، بل يعبر إلينا ومعنا كما نحن، بسقوطنا، بوهننا، بضعفنا.
أستعيد بذاكرتي كلّ مساعي الإغواء الّتي في قلبي. ثمّ أتخلّى عنها – بقدر استطاعتي – حبًّا بالمسيح.
0 تعليق