رياضة الأسبوع العظيم ٢٠٢١

الأب داني يونس اليسوعيّ
يوم الدخول: أحد الشعانين

يوم الدخول: أحد الشعانين

بنسبة الأب داني يونس اليسوعيّ

قال يسوع: “[حياتي] ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ” (يوحنّا ١٠: ١٨).
لا يعني أنّ يسوع لم يحبّ الحياة، ولا أنّه أراد التخلّص من حياته.
بل يعني أنّ يسوع حرٌّ حتّى في مماته، وليس شيء يفقده حرّيّته.
كلّنا نصارع من أجل الحرّيّة، في قلب واقع يسلبنا كلّ ما نحبّه، ويفرض علينا قيودًا لا نطيقها.
كلّنا نعاني من أمور لم نخترها، من إرثٍ ثقيل وقع علينا، من حُكم نشعر أنّه ظالم.
كلّنا نواجه نهاية وجودنا، مثل مصير حتميّ، مثل حياة تُنتزع منّا.
وابن الله صار إنسانًا ليحمل مصيرنا، ليقع عليه ما يقع علينا، وفي قلب الواقع يقول:
“[حياتي] ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ”

كيف يحفظ حرّيّته أمام الّذين يريدون أن ينتزعوها منه؟
ما هو درب الحرّيّة الّذي أخذه يسوع؟
كيف نقف أمام مصيرنا لا كمن يخضع للمحتوم، بل كمن يتحقّق له ما سبق واختاره؟

قال يسوع لليهود: “حَيثُ أَنا ذاهِبٌ أَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا” (يوحنّا ٨: ٢١. قالها مرّة أولى في ٧: ٣٤)
فظنّوا أنّه سيقتل نفسه: “أَتُراهُ يَقتُلُ نَفسَه؟ فقد قال: حَيثُ أَنا ذاهِبٌ فَأنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا” (يوحنّا ٨: ٢٢).
ولكنّ يسوع قال الكلمة نفسها للتلاميذ ولبطرس: “وما قُلتُه لِليَهود أَقولُه الآنَ لَكُم أَيضاً: حَيثُ أَنا ذاهِب لا تَستَطيعونَ أَن تَأتوا.” (يوحنّا ١٣: ٣٣)، “إلى حَيثُ أَنا ذاهبٌ لا تَستَطيعُ الآنَ أن تَتبَعَني، ولكِن ستَتبَعُني بَعدَ حين” (يوحنّا ١٣: ٣٦).
الطريق الّذي يأخذه يسوع هو طريق الحرّيّة الّذي لا يستطيع الإنسان أن يأخذه إن لم يؤمن بالآب.
بل يسوع هو الطريق (يوحنّا ١٤: ٦). من يفكّر بفكر المسيح ويشعر بشعور المسيح ويسلك بحرّيّة المسيح ويحيا بروح المسيح يعرف الحرّيّة حقًّا.

قال يسوع إنّ الطريق ضيّق: “ما أَضْيَقَ البابَ وأَحرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَليلون” (متّى ٧: ١٤). ليس ضيّقًا لأنّ الله جعله ضيّقًا، بل هو ضيّق لأنّه يتطلّب مواجهة مع الذات، مواجهة مع الحقّ، مواجهة مع الله.

درب الحرّيّة الّذي أخذه يسوع هو درب الصليب.
كلّ من أراد الاحتفاظ بحياته فقدها وذاق الموت مرًّا وحتميًّا،
وكلّ من بذل حياته حفظها، والموت نفسه أطاعه، ومكّنه من يعطي ذاته حتّى الملء،
ويسوع، حياته، ما من أحد يسلبه إيّاها، وإنّما هو يبذلها حرًّا، ويصير هو الطريق.

هذه الرياضة…
في الأيّام المقبلة، من الإثنين حتّى الإثنين، نتبع خطى يسوع، إلى حيث نقدر، إلى حيث يقدر كلّ منّا.
نعلم سلفًا أنّ حيث يسوع يمضي، نحن لا نستطيع أن نتبعه الآن، ولكنّنا سنتبعه بعد حين، حين نصير مستعدّين. وبانتظار ذلك، نتبع يسوع على قدر المستطاع.
في كلّ يوم، أقدّم مدخلاً إلى سرّ المسيح الّذي يدخل في آلامه، يليه اقتراح نصّ للتأمّل، ومرحلتين أو ثلاث من درب الصليب.
من أراد الاستفادة من الرياضة، يمكنه أوّلاً الإصغاء إلى المدخل، أو قراءته، والقيام بالتأمّل المقترح. يمكنه كذلك التأمّل في مراحل درب الصليب المقترحة لكلّ يوم. من المفيد جدًّا القيام بمراجعة النهار (صلاة العهد) في نهاية كلّ نهار. تجدون في ما يلي طريقة التأمّل في الكتاب المقدّس، وطريقة القيام بصلاة العهد.
طريقة التأمّل
١. أحدّد مُسبقًا متى وأين سأقوم بالتأمّل ومدّة التأمّل. لا أدع التأمّل للظروف أو للمزاج.
٢. حين يقترب موعد التأمّل أترك كلّ شيء وأذهب إلى المكان الّذي حدّدته وأنا أفكّر باللقاء الّذي سيتمّ بيني وبين الله. لا أدع حالتي النفسيّة تغيّر مقصدي، ولكنّي أتنبّه لها وأستقبلها كما هي.
٣. أبدأ الصلاة بأن أتنبّه لحضور الله، فأقف باحترام متخيّلاً كيف أنّ الله ينظر إلى مكان اللقاء وإليّ، وأتذكّر أنه يرغب في لقائي أكثر منّي. ويريدني أن أعرفه أكثر ممّا أنا أريد. أسأله أن يساعدني على الحضور أمامه بأفكاري ومشاعري وجسدي وقلبي.
٤. ثمّ أتذكّر النصّ الّذي سأتأمّله (أو أقرأه مرّة بانتباه ليحضر في ذاكرتي بتفاصيله). أتخيّل أنّي أقوم برحلة حجّ إلى المكان الّذي يتمّ فيه الحدث، لكي أنال بركة من ذلك المكان.
٥. أطلب نعمة اليوم (في كلّ يوم من الرياضة سأقترح النعمة الّتي نطلبها)
٦. أعيد قراءة النصّ متمهّلاً، متوقّفًا حيث أجد المزيد من التذوّق أو من الشعور. أتخيّل الأشخاص وأفعالهم وأقوالهم. أفكّر في ما يحصل. أحرّك مشاعري لأتفاعل مع الأحداث. ليس من الضروريّ أن أنهي النصّ، بل آخذ وقتي حيث أجد ما يستوقفني. (سأعطي مقترحات للتأمّل ولكن ليس ضروريًّا التقيّد بها)
٧. حين يقترب وقت التأمّل من النهاية أترك النصّ وأحاور الله من القلب إلى القلب، كما يكلّم الصديق صديقه، فأخبره عمّا يشغل بالي وأسأله عمّا يدور في خاطري. وأصمت أحيانًا كمن يُصغي.
٨. حين ينتهي وقت التأمّل الّذي حدّدته، لا قبل، أقف مجدّدًا في مكاني وأصلّي الأبانا
٩. أدوّن في دفتر صغير كيف مرّت خبرة التأمّل.
صلاة العهد
في نهاية اليوم، قبل النوم، أراجع نهاري لكي أزداد وعيًا بعمل الله في حياتي وباستجابتي له.
أبدأ بالدخول في حضور الله: أتذكّر أمام من أنا حاضر وأطلب إليه أن يساعدني لأكون حاضرًا لحضوره.
ثمّ أعيد إلى ذاكرتي علامات الحبّ الّتي أظهرها الله لي، إذ خلقني وافتداني وسار بي إلى هذه اللحظة الحاضرة. أتذكّر بركاته في حياتي: الأشخاص الّذين يضعون فيّ الفرح والسلام، الأحداث الّتي تحفّز رجائي، الاختبار الروحيّ الّذي يدفعني إلى الصلاة. أتذكّر خصوصًا بركات اليوم الحاضر: كلّ ما كان له قيمة في هذا اليوم وجعله أكثر جمالاً.
أتذكّر أيضًا اللحظات المؤلمة في هذا اليوم. كلّ ما شكّل لي تحدّيًا أو سبّب حزنًا. أضعها أمام الله لتشفى.
أخيرًا أفكّر في المواقف الّتي اتّخذتها من الأشخاص ومن الأحداث ومن المشاعر الّتي مرّت في هذا اليوم. بعضها يبدو لي مؤاتيًا للحبّ الإلهيّ، وبعضها يحتاج إلى نضوج أو إلى شفاء أو إلى قبول. أذكرها كلّها بقدر ما أتذكّرها.
ثمّ أحاور الله طالبًا الثبات في ما هو صالح، والغفران لكلّ ما يحتاج تجديدًا في ذاتي. وأكلّمه عن الغد: ما الّذي سأقوم به، وكيف. أطلب معونته ونوره.
أختم بالأبانا