اليوم الرابع: "لا ما أنا أشاء بل ما أنت تشاء"

رياضة الأسبوع العظيم ٢٠٢١

الأب داني يونس اليسوعيّ

اليوم الرابع: "لا ما أنا أشاء بل ما أنت تشاء"

بنسبة الأب داني يونس اليسوعيّ

على كلّ مختار أن يعاني النزاع.
لأنّ الله يكشف عن ذاته في المختار.
قال الربّ لموسى: رأيتُ مذلّة شعبي الّذي بمصر، وسمعتُ صراخه وعلمتُ بشقائه فأتيتُ لأخلّصه
والآن اذهب، أنا أرسلك إلى فرعون…
لم يرَ الناس الله الّذي يرى ويسمع ويعلم ويأتي، بل يرون موسى الّذي يرسله الله.
فموسى الّذي يرى ويسمع ويأتي يصير صورة الله، والله يكشف عن ذاته في موسى.
ولكن كيف لموسى أن يرى مثل الله، ويسمع مثله ويحبّ مثله ويأتي مثله؟
المختار إنسان مصلوب لأنّ الّذي يأتي فيه لا يظهر إلاّ في بذل الذات.

إيليّا كره الحياة وتمنّى الموت، لأنّه بعد أن أظهر للناس حياة الله وسلطانه، توارى الله واختفى سلطانه.
فخاف إيليّا وهرب، وطلب الموت.
إلى أن ظهر الله له لا كما كان ينتظره، بل كما الله يريد.
كلّ المختارين يُعانون صراع المشيئة مع الله، لكي يظهر الله جديدًا فيهم، ولكن بعد نزاع.
ويسوع يختصر نزاع المختارين حين يختبر الحزن حتّى الموت في بستان الزيتون.

عن نزاع يسوع تقول الرسالة إلى العبرانيّين:
هو الَّذي في أَيَّامِ حَياتِه البَشَرِيَّة رفعَ الدُّعاءَ والاِبتِهالَ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ ذَوارِف إِلى الَّذي بِوُسعِه أَن يُخَلِّصَه مِنَ المَوت، فاستُجيبَ لِتَقْواه. وتَعَلَّمَ الطَّاعَةَ، وهو الاِبن، بما عانى مِنَ الأَلَم. ولَمَّا بُلِغَ بِه إِلى الكَمال، صارَ لِجَميعِ الَّذينَ يُطيعوَنه سَبَبَ خَلاصٍ أَبَدِيّ. (عب ٥: ٧-٩)
“تعلّم الطاعة، وهو الابن، بما عانى من الألم”. تغلّب يسوع على “الحزن حتّى الموت” بأنّه فضّل مشيئة الآب على مشيئته هو. “تعلّم الطاعة” وقَبِل أن يسمح لأحداث معاكسة لمشيئته أن تقوده إلى حيث لا يشاء، فيمجّد الله. (راجع يوحنّا ٢١: ١٨).
“بُلغَ به إلى الكمال”. الله أمين لمختاره. فالمختار لا يستطيع أن يحقّق مأربه من أن يُظهر الله في جسده، إن لم يقوده الله نفسه إلى اكتماله. لهذا فالمختار “يُبلغ” به إلى الكمال، ولا يبلغه بذاته، بل بانقياده لما لا يفهمه. ولأنّه لا يفهمه يعبر بالنزاع، ولأنّه ينقاد يتغلّب على النزاع بالطاعة.

نصّ للتأمّل
ووصَلوا إِلى ضَيعَةٍ اسمُها جَتْسمَانِيَّة، فقالَ لِتَلاميذِه: “أُقعُدوا هُنا بَينما أُصَلِّي.” ثُمَّ مضى بِبُطُرسَ ويَعقوبَ ويوحَنَّا، وجعَلَ يَشعُرُ بالرَّهَبةِ والكآبة. فقالَ لهم: “نَفْسي حَزينَةٌ حتَّى المَوت. أُمكُثوا هُنا واسهَروا.” ثُمَّ أَبعَدَ قليلاً ووَقعَ إِلى الأَرضِ يُصَلِّي لِتَبتَعِدَ عنهُ السَّاعة، إِن أَمكَنَ الأَمْر، قال: “أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء.” ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهُم نائمين، فقالَ لِبُطرس: يا سِمْعان، أَتَنام؟ أَلَم تَقْوَ على السَّهَرِ ساعَةً واحِدَة؟ اِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبة. الرُّوحُ مُندَفِع، وأَمَّا الجَسدُ فَضَعيف.” ثُمَّ مَضى ثانِيَةً يُصَلِّي فيُرَدِّدُ الكلامَ نَفْسَه. وَرَجَعَ أَيضاً فوَجَدهم نائمين لِأَنَّ النُّعاسَ أَثقَلَ أَعيُنَهم، ولَم يَدْرُوا بِماذا يُجيبونَه. ورَجَعَ ثالِثَةً فقالَ لَهم: “ناموا الآنَ واستَريحوا! قُضيَ الأَمرُ وأَتَتِ السَّاعة. ها إِنَّ ابنَ الإِنسانِ يُسلَمُ إِلى أَيدي الخاطئين. قوموا نَنطَلِقْ، ها إِنَّ الَّذي يُسلِمُني قدِ اقتَرَب.”. (مرقس ١٤: ٣٢-٤٢)

نقطة أولى: يسوع بين رفاقه الّذين شهدوا التجلّي، ويشهدون اليوم نزاعه. يطلب حضورهم ولا يستطيعون تلبيته.

نقطة ثانية: لا يجد يسوع الصلاة بسهولة. يطلب أن يستجيبه الآب، ثمّ يضع نفسه في تصرّف الآب فيجد السلام.

نقطة ثالثة: “اسهروا وصلّوا لئلّا تقعوا في التجربة. الروح مندفع وأمّا الجسد فضعيف.” ما تعني لي كلمات يسوع هذه بشأن الصمود في زمن المحنة؟

مراحل درب الصليب

المرحلة التاسعة: لنتأمّل يسوع يقع تحت الصليب مرّة ثالثة

تقول الرسالة إلى العبرانيّين إنّ المسيح لا يَستَحْيي أَن يَدعُوَ البشر إِخوَةً (٢: ١١) بل بِوُسعِه أَن يَرْفُقَ بِالجُهَّالِ الضَّالِّين لأَنَّه هو نَفْسُه مُتَسَربِلٌ بِالضُّعْف (٥: ٢). بسقوطه تحت الصليب مرّة ثالثة يلاقيني في ضعفي ويدعوني أخاه. لم يُشفق عليّ من فوق، بل لاقاني في محنتي ليحقّق الشركة معي.
أعتبر كيف أنّ عبادتنا الّتي تتوجّه إلى إله لا مكان للضعف عنده هي سرّيًّا توق إلى السلطة، وأنّ المسيح يكسر هذا الإغواء حين يلاقيني في ضعفي.

المرحلة العاشرة: لنتأمّل يسوع يُعرّى من ثيابه ويُسقى خلًّا

حين يُجرّد يسوع من ثيابه، يصير لا حرمة له ولا رادع لقتله، ويُظهر حالة هابيل الّذي جرّده أخوه قاين من كرامة الأخ وجعل منه طريدة يحلّ له قتلها. لأجل كلّ من حَلّل الناس لأنفسهم أن يذلّوهم، ننظر إلى الربّ المُهان، ونطلب الغفران على صمتنا.
أفكّر في التزامي بكرامة الناس واحترامهم، فيكون الناس بأمان في أفكاري وأقوالي وأعمالي.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *