اليوم السادس: "رابّوني، أن أبصر"

رياضة الأسبوع العظيم ٢٠٢١

الأب داني يونس اليسوعيّ

اليوم السادس: "رابّوني، أن أبصر"

بنسبة الأب داني يونس اليسوعيّ

قال الربّ: “إِنِّي جِئتُ هذا العاَلمَ لإِصدارِ حُكْمٍ: أَن يُبصِر الَّذينَ لا يُبصِرون ويَعْمى الَّذينَ يُبصِرون” (يوحنّا ٩: ٣٩). تشبه مسيرة الآلام الّتي خاضها يسوع معجزة شفاء الأعمى، لأنّها تكشف مجد الله لمن أراد أن يبصر. دخل الربّ في آلامه، الّتي هي آلامنا، “لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة” (لوقا ٢: ٣٥)، فإذا انكشفت الخطيئة، ظهر الغفران أيضًا، والغفران هو مجد الله: “إِنَّ المَغفِرَةَ عِندَكَ لِكًي تَكونَ المَهابَةُ لَكَ” (مزمور ١٣٠: ٤).
فوق الصليب، عيّر الناس يسوع، ولم يروا ملك المجد في الإنسان المصلوب، غير أنّ أحد المجرمَين اللذين صُلبا معه فهم فجأة، وميّز في البريء المصلوب ذاك الّذي يأتي إلى حزنه، هو المذنب، لينتشله إلى ملكوته. عندما مات الربّ، كان الهازئون يقولون: لو كان ابن الله لأنجده الله. غير أنّ قائد المائة الوثنيّ فهم فجأة، لمّا رأى كيف مات، فقال: كان هذا الرجل ابن الله حقًّا.
ماذا رأى اللصّ التائب والجنديّ الوثنيّ؟ كيف فهما فجأة؟ ما الّذي يُعطى لنا أن نفهمه؟
ماذا فهمت المرأة الّتي سكبت الطيب على رأس يسوع (مرقس ١٤: ٣-٩)؟
ما الّذي فهمه التلميذ الّذي كان يحبّه يسوع حين دخل القبر ووجده فارغًا (يوحنّا ٢٠: ٨)؟
ما الّذي علينا أن نراه ونفهمه ونعمل به حين تدرّب مشاهدة آلام الربّ أعيننا على قراءة واقعنا؟
“فقالَ له يسوع: ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟ قال له الأَعمى: رابُوني، أَن أُبصِر. فقالَ له يسوع: اِذهَبْ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ. فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه في الطَّريق.” (مرقس ١٠: ٥١-٥٢)

صليب الربّ يكشف ظلمة عدالتنا.
“لا تحكموا على الظاهر، بل احكموا بالعدل” (يوحنّا ٧: ٢٤)

صليب الربّ يكشف عن الملك بحسب أفكار الله، لا بحسب أفكار البشر.
“لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس.” (مرقس ١٠: ٤٥)

صليب الربّ يكشف عن الإله الحقيقيّ.
“إِنَّ الَّذي لم يَضَنَّ بابْنِه نَفسِه، بل أَسلَمَه إِلى المَوتِ مِن أَجْلِنا جَميعًا، كَيفَ لا يَهَبُ لَنا معَه كُلَّ شَيء؟” (روما ٨: ٣٢)

صليب الربّ يكشف عن رجائنا الأخير.
“فأَمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله. اِرغَبوا في الأُمورِ الَّتي في العُلى، لا في الأُمورِ الَّتي في الأَرض، لأَنَّكم قد مُتُّم وحَياتُكم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ في الله. فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم، تَظَهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد” (كولوسي ٣: ١-٤)

نصّ للتأمّل
تَباركَ اللّهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيح. فقَد بارَكَنا كلَّ بَرَكَةٍ روحِيَّة في السَّمَواتِ في المَسيح. ذلِك بِأَنَّه اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة. وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَم أَن يَتَبنَّانا بِيَسوعَ المسيح على ما ارتَضَته مَشيئَتُه لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِ نِعمَتِه الَّتي أَنعَمَ بِها علَينا في الحَبيب.
فكانَ لَنا فيه الفِداءُ بدَمِه أَيِ الصَّفْحُ عنِ الزَّلاَّت على مِقدارِ نِعمَتِه الوافِرة الَّتي أَفاضَها علَينا بِكُلِّ ما فيها مِن حِكمَةٍ وبَصيرة، فأَطلَعَنا على سِرِّ مَشيئَتِه أَي ذلِك التَّدبيرِ الَّذي ارتَضى أَن يُعِدَّه في نَفْسِه مُنذُ القِدَم لِيَسيرَ بِالأَزمِنَةِ إِلى تَمامِها فيَجمعَ تَحتَ رأسٍ واحِدٍ هو المسيح كُلَّ شَيء ما في السَّمواتِ وما في الأَرْض.
وفيه أَيضًا جُعِلْنا وَرَثَة وقد كُتِبَ لَنا بِتَدْبيرِ ذاكَ الَّذي يَفعَلُ كُلَّ شَيءٍ كما تُريدُه مَشيئَتُه، أَن نَكونَ مَن سَبَقَ أَن جَعَلوا رَجاءَهم في المسيح لِلتَّسْبيحِ بِمَجْدِه.
وفيه أَنتُم أَيضاً سَمِعتُم كَلِمَةَ الحَقّ أَي بِشارةَ خَلاصِكم
وفِيه آمنُتُم فخُتِمتُم بِالرُّوحِ المَوعود، الرُّوحِ القُدُس، وهو عُربونُ مِيراثِنا إِلى أَن يَتِمَّ فِداءُ خاصَّتِه لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِه.

لِذلِك، فإنِّي أَنا أَيضًا، مُذ سَمِعتُ بِإِيمانِكم في الرَّبِّ يسوع وبِمَحبَّتِكم لِجَميعِ القِدِّيسين، لا أَكُفُّ عن شُكرِ اللهِ في أَمْرِكم، ذاكِرًا إِيَّاكُم في صَلَواتي، لِكَي يَهَبَ لَكم إِلهُ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَبو المَجْد، رُوحَ حِكمَةٍ يَكشِفُ لَكم عَنه تَعالى لِتَعرِفوه حَقَّ المَعرِفَة، وأَن يُنيرَ بَصائِرَ قُلوبِكم لِتُدرِكوا ما هو الرَّجاءُ الَّذي تَنطَوي عليه دَعوَتُه وما هي سَعَةُ المَجدِ في ميراثِه بَينَ القِدِّيسين، وما هي عَظمَةُ قُوَّته الفائِقَةِ لِخَيرِنا نَحنُ المُؤمِنين، والمُوافِقَةِ لِعَمَلِ قُدرَتِه العَزيزَةِ الَّذي عَمِلَه في المسيح، إِذ أَقامَه مِن بَينِ الأَمْوات وأَجلَسَه إِلى يَمينِه في السَّمَوات فَوقَ كُلِّ صاحِبِ رِئاسةٍ وسُلْطان وقُوَّةٍ وسِيادة وفَوقَ كُلِّ اسمٍ يُسَمَّى بِه مَخلوق، لا في هذا الدَّهْرِ وَحدَه، بل في الدَّهْرِ الآتي أَيضًا، وجَعَلَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ قَدَمَيْه ووَهَبَه لَنا فَوقَ كُلِّ شيء رَأسًا لِلكَنيسة، وهى جَسدُه ومِلْءُ ذاك الَّذي يَملأُه اللّهُ تمامًا. (أفسس ١: ٣-٢٣)

نقطة أولى: باركنا كلّ بركة روحيّة في المسيح. اختارنا في المسيح قبل إنشاء العالم. شاء أن يتبنّانا في المسيح. الطريق الّذي أخذه يسوع إلى القبر هو الّذي يجعل هذه الكلمات ممكنة.

نقطة ثانية: “يَسيرَ بِالأَزمِنَةِ إِلى تَمامِها فيَجمعَ تَحتَ رأسٍ واحِدٍ هو المسيح كُلَّ شَيء ما في السَّمواتِ وما في الأَرْض.” الزمن الحاضر هو من ضمن الأزمنة الّتي يقودها لتكتمل في المسيح.

نقطة ثالثة: “لِكَي يَهَبَ لَكم إِلهُ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَبو المَجْد، رُوحَ حِكمَةٍ يَكشِفُ لَكم عَنه تَعالى لِتَعرِفوه حَقَّ المَعرِفَة، وأَن يُنيرَ بَصائِرَ قُلوبِكم لِتُدرِكوا ما هو الرَّجاءُ الَّذي تَنطَوي عليه دَعوَتُه”

مراحل درب الصليب

المرحلة الثالثة عشر: لنتأمّل يسوع يُنزل عن الصليب ويوضع في حضن الأمّ

الراسخ في الحياة صار الإنسان المهدور، لأنّه أخذ ما لنا، نحن المعرّضين للهدر. والأمّ، رحم الأحزان الّذي يتمخّض بالإنسانيّة الجديدة، تلتقي أحزاننا في رجاء سرّيّ.
أقدّم للربّ أحزاني وأحزان العالم.

المرحلة الرابعة عشر: لنتأمّل يسوع يوضع في القبر

لم يكن يسوع إلاّ “هاءنذا”. وفي ظلمة القبر لا يزال “هاءنذا”. وليست ظلمة، ولا حجر، ولا موت ولا حياة تمنع يسوع، حين يناديه الآب “آدم! أين أنت!” من أن يجيب “هاءنذا”.
المسيح قام! حقًّا قام!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *